السحر وتأثيره والذهاب إلى الساحر

كيف يؤثر السحر على الناس، مع أنه لا يحصل شيء إلا بإذن الله -تعالى-؟ وهل يجوز أن أذهب إلى شيخ لأرى هل من أحد ضرني إذا كنت أشك في ذلك؟ أرجوا الإفادة والتوضيح جزاكم الله خيراً.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد دل كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -عليه السلام- على أن السحر قد يقع بالنسبة لبعض الناس، وقد يؤثر في المسحور بإذن الله -عز وجل-؛ كما قال الله -سبحانه وتعالى-: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ [البقرة: 102]، فبين -سبحانه- أنهم قد يضرون به؛ لكن بإذن الله، بقضاء الله وقدره، ثم قال بعده: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ -يعني: .....- مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ[البقرة: 102]، أي باعوا أنفسهم لو كانوا يعلمون، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ[البقرة: 103]، هذا يدل على خطر السحر وأن صاحبه لا خلاق له عند الله، أي لاحظ له ولا نصيب، وأنه ضد الإيمان وضد التقوى، وأنه كفر كما قال عن الملكين: أنهم يقولان لمن يتعلم: أنه كفر فلا تكفر، وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ يعني للمتعلم إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ، فدل ذلك على أن تعلم السحر وتعليمه والعمل به كفر نسأل الله العافية، وما ذاك إلا لأنه عبادة للشياطين وتقرب إليهم بالذبائح والنذور والدعاء والإستغاثة ونحو ذلك، فلا يكون الساحر ساحراً إلا بتقربه للشياطين والجن وعبادتهم من دون الله -عز وجل-، فقد يقع تأثراً بالمسحور بالبغض إلى زوجته، أو بالبغض لزوجها إذا كانت هي المسحورة، ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، بين المرء أي: الرجل، وزوجه أي: زوجته، وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ، أي لا يضر السحرة أحداً إلا بإذن الله، بمشيئته -سبحانه وتعالى-، فدل ذلك على أن مايفعله من ضرر بمشيئة الله ليس من قدرة الساحر، بل الساحر سبب والله -جل وعلا- هو مقدر الأمور -سبحانه وتعالى-، هو الذي قضاها بحكمته وقدره السابق -سبحانه وتعالى-، وكل ما في الوجود هو بمشيئة الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، من كفر وسحر ومعاصي وطاعات كله بقدر الله -سبحانه وتعالى-، وله حكمة بالغة -جل وعلا- كما قال -سبحانه وتعالى-: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا[الحديد: 22]، وقال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر: 49]، فالأمور كلها بيده -سبحانه وتعالى-، ولا يقع منها شيء في هذه الدنيا إلا بمشيئته -سبحانه وتعالى- وقدره السابق، فالطاعات بقدره السابق، والمعاصي بقدره السابق، والعبد له اختيار وله مشيئة يفعل ويختار، ويعرف ما يضره وما ينفعه، فهو مؤاخذ باختياره إذا اختار ما يضره، كما أنه مثاب إذا اختار ما ينفعه من طاعات الله -عز وجل-، ولكنه مع هذا تابع لمشيئة الله كما قال سبحانه: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[التكوير: 29]، قال سبحانه: فَمَن شَاء ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ[المدثر: 56] سبحانه وتعالى. وقد يكون السحر تخييلاً وتزويراً ليس له أثر في بدن الإنسان؛ كما قال -جل وعلا- في قصة موسى وفرعون: قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى[طه: 66]، فهم أوجدوا حبالاً وعصياً أمام الناس فظنها الناس حيات في الأرض، وإنما هي حبال وعصي، ولكن خيل للناس أنها حيات لما فعلوا من التزوير والتضليل على أعينهم بأشياء عرفوها، وأقدرهم الله عليها حتى ظنها المشاهدون حيات، حتى ظن العصي والحبال ظنها المشاهدون حيات وخافوا منها، والحقيقة أنها ليست حيات؛ ولكنها حبال وعصي؛ ولهذا يقول -سبحانه-: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى[طه: 66]، بخلاف يد موسى فإنها حقيقة، وبخلاف عصاه فإنها حقيقة، جعل الله عصاه حية تسعى، ثم أعادها سبحانه سيرتها الأولى -جل وعلا- وهكذا يده جلعها بيضاء ليس فيها مرض ولكنها آية، فأردت بهذا أيها السائل وأيها المستمع أن السحر له حالان: إحداهما: حقيقية، تؤثر في المسحور بمرض، أو قتل، أو بغضاء بينه وبين صاحبه، أو بينه وبين زوجته. والحال الثاني: تخييل وتزوير وليس لها أثر في نفس الإنسان ولكنه يخيل إليه أن زوجته غير زوجته، وأن أخاه غير أخاه، وأن صاحبه غير صاحبه، وهكذا، فيخيل له أشياء تنفره من صاحبه وتنفره من زوجته، أو تنفرها من زوجها، بسبب ما وضعوا هذه الاشياء إلا في ما شوه منظر الزوج أو الزوجة، أو الصاحب، حتى صار غير ....... وقعت البغضاء والتغير والتكدر لما حصل من التزوير والتخييل من الساحر بين هذا، وهذا والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وله علاج والحمد لله، الله جعل له علاجاً من القرآن الكريم، فإن الله جعل القرآن شفاء من كل داء، فالقراءة على المسحور من آيات الله، آيات الله التي نزلت في السحر، وآية الكرسي، وقل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، هذه إذا قرأت على المسحور ودعي له بالعافية ينفعه الله بذلك، أو تقرأ في ماء تنفث في الماء على آية السحر التي في الأعراف، والتي في يونس، والتي في طه، ثم يقرأ معها آية الكرسي، وقل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، ثم يشرب منها المسحور أو المحبوس عن زوجته ثلاث حسوات ثم يغتسل بالباقي، هذا بإذن الله مجرب في زوال السحر، وزوال الحبس للذي حبس عن زوجته، هذا مجرب وواقع والحمد لله، وهو من الدواء النافع والمجدي النافع بحمد الله. وقد يعرف المسحور من سحره في مسامير يوضع بعضها في بعض، أو في شعر عقد بعضه في بعض، أو خرق، أو ما أشبه ذلك، قد يعرفها المسحور، فإذا عرفها أزالها وبطل السحر والله المستعان ولاحول ولا قوة إلا بالله. والآيات التي تقرأ من سورة الأعراف قوله -تعالى-: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ[الأعراف: 117-119]، ومن سورة يونس: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[يونس: 79- 82]، وفي سورة طه يقول -سبحانه-: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[طه: 65- 69]، فهذه الآيات، وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، كلها تقرأ في الماء، أو على المسحور، أو المحبوس عن زوجته ويدعى له بالشفاء والعافية، بالدعاء المشهور الذي علمه النبي أصحابه -عليه السلام-: (اللهم رب الناس أذهب الباس واشفي أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً) وإذا كررها ثلاثاً كان أحسن؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا دعا دعا ثلاثاً، وهكذا الدعاء المشهور الذي رقى به جبرئيل النبي -عليه الصلاة والسلام-: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) هذا أيضاً ينبغي أن يكررها ثلاثاً كما فعل جبرئيل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه رقاه بهذا، بهذه الرقية العظيمة: (بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) وإذا دعا معها بدعوات أخرى فلا بأس من الدعوات الطيبة مثل: "اللهم أشفه وعافه، اللهم أزل عنه السوء، اللهم أبرأه من مرضه" دعوات لا بأس كله طيب. المذيع : كون السحر يقع هل يخرج عن قدرة الله وإرادته؟ الشيخ: مثل ما تقدم، كله بمشيئة الله، مثل ما قال -سبحانه-: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ[البقرة: 102]، فالشيء كله بإذن الله وقضائة إذا أراده -سبحانه- وقع، وإذا ما أراده لم يقع، ولو فعل السحرة ما فعلوا، وهناك أشياء ينبغي التحرز منه وغيره، منها وهي التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق صباحاً ومساءً ثلاث مرات، ويقول: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحا ًومساءً، كل هذا من أسباب السلامة من السحر والعين وغير ذلك، كذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة وقراءتها عند النوم، وكذلك قراءة قل هوالله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة مرة، وبعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، كل هذا من أسباب العافية من كل سوء بإذن الله -عز وجل-. المذيع: سمعت من بعض طلبة العلم إنكاره للسحر حتى أنه قال: ائتوا بالسحرة ليسحروني إن كانوا صادقين؟ توجيهكم لو سمحتم لا سيما لو كانت هذه العبارة من شخص مشهور وله شعبية لا بأس بها. الشيخ: هذا جهل وغلط، هذه المقالة تصدر عن جهل، فقد سُحر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أفضل الخلق، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سحر وعافاه الله من ذلك وشافاه الله -سبحانه وتعالى-، هذا معروف، وقد أجمع المسلمون على أن يقع بإذن الله -سبحانه وتعالى-، لكن بعضه يؤثر على المريض وبعضه بالتخييل كما تقدم .