تقصير بعض الحجاج في أداء الواجبات

الكثير من الحجاج - هداهم الله- يأتون من مكان بعيد ويتكبدون الصعوبات والمشاق، ولكنهم لا يصونون حجهم مما يفسده أو ينقصه، مثل التساهل بالصلاة مع الجماعة، ولعب الورق، واستماع آلات اللهو، وشرب المحرمات، وغير ذلك، فنرجو بيان حرمة هذا العمل لاسيما في هذا السبيل؟

الإجابة

وصيتي لجميع الحجاج من الرجال والنساء أن يتقوا الله - عز وجل - في كل مكان، في طريقهم للحج، وفي مشاعر الحج، وفي المسجد الحرام، وفي كل مكان، فوصيتي للجميع أن يتقوا الله، وأن يحرصوا كثيراً على أداء ما فرض الله، وعلى ترك ما حرم الله، وأن يكملوا حجهم بالبعد عن كل ما حرم الله عليهم، حتى يكون الحج كاملاً تاماً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). فهذا فضل عظيم، فالمؤمن إذا أكمل حجه، فلم يرفث ولم يفسق رجع من هذا الحج العظيم رجع كيوم ولدته أمه، يعني مغفوراً له، يعني قد غفر الله له، والرفث هو الجماع للمرأة، وما يدعو إليه، من القول والفعل، فالمحرِم يبتعد عن ذلك، لا يجامع زوجته، حتى ينتهي من إحرامه من رمي الجمار والحلق أو التقصير والطواف والسعي بعد نزوله من عرفات، والمعتمر كذلك، إذا أحرم بالعمرة لا يأتي زوجته ولا يداعبها ولا يمسها بشهوة، حتى يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق، ويتم عمرته، هذا هو الرفث، فالجماع وما يدعو إليه يسمى رفثاً، فالمحرِم يبتعد عن ذلك في حجه وعمرته، حتى يكمل حجه، حتى يتحلل من عمرته، وحتى يتحلل التحلل الثاني من حجه بعد الطواف والسعي ورمي الجمار يوم العيد والحلق أو التقصير، هذا هو الواجب على الحاج والمعتمر، وكذلك الفسوق، يجتنب الفسوق والمعاصي كلها، فالمؤمن يجتنب الفسوق في الحج وفي غيره، فكل المعاصي تسمى فسوقاً، ومن ذلك الغيبة والنميمة، والتعدي على الناس بالضرب أو بغيره، أو التعدي عليهم في أموالهم والسب والشتم كل هذا من المعاصي، فالواجب على الحاج والمعتمر وغيرهما من الرجال والنساء أن يتجنبوا ذلك، ومن ذلك التكاسل عن الصلاة في الجماعة، لأن الصلاة في الجماعة فريضة، فالواجب على الحاج وغيره أن يصلي في الجماعة، وأن لا يتساهل، وأعظم من ذلك وأكبر أن يدع الصلاة، وأن يتساهل بها هذا أعظم وأكبر، يجب أن يحافظ على الصلاة في أوقاتها فإنها عمود الإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله). وقال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة - رضي الله عنه -. وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة). خرجه الإمام مسلم في صحيحه. فالواجب على الجميع من الرجال والنساء العناية بالصلاة، والمحافظة عليها في أوقاتها في الحج وفي غيره، وفي أي مكان، فهي عمود الإسلام، وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فيجب على الرجال والنساء من المسلمين العناية بالصلاة، والمحافظة عليها وأداؤها بخشوع، والطمأنينة والإقبال عليها، وعدم العجلة، يؤديها بطمأنينة، وعدم نقر، وعدم عجلة في أيام الحج وفي غير الحج، هكذا المؤمن وهكذا المؤمنة، وكذلك آلات الملاهي والغناء يبتعد المؤمن عن ذلك في الحج وفي غيره؛ لأن الغناء كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. والله يقول - سبحانه -: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [(6) سورة لقمان]. قال أكثر العلماء من المفسرين: لهو الحديث هو الغناء، وإذا كان من النساء، أو ممن يتشبه بالنساء صارت الفتنة أكبر وأعظم، فإذا كان في الإذاعة أو في مواسم الحج صار أشد، يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو أحد علماء الصحابة، أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. فالغناء وما يقع من الأشعار الملحنة لمدح للزنا أو الخمور أو ذكر النساء وفتنة النساء أو غير هذا مما يجر إلى الفساد والشر، فهذا خطره عظيم في الحج وفي غيره، فالواجب اجتنابه، وإذا كان مع الغناء آلات اللهو من العود والكمان والمزمار والموسيقى صار الشر أكثر، وصارت الفتنة أكبر، وصار الإثم أشد، فيجب على المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك في أي مكان في الحج، في السيارة، في الطائرة، في القطار، في بلاده، في غير بلاده، أينما كان، فالمؤمن مع إخوانه يتواصون بالخير، والله يقول سبحانه: وَالْعَصْرِ (1) سورة العصر، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) سورة العصر، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر. هؤلاء هم الرابحون، هؤلاء هم السعداء، الذين آمنوا بالله ورسوله، صدقوا الله ورسوله، ووحدوا الله، وأظلموه، وأخلصوا له العبادة، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدقوه واتبعوه، وعملوا الصالحات، يعني أدوا فرائض الله، واجتنبوا محارم الله، ثم مع ذلك تواصوا بالحق، يعني يتناصحون، يتعاونون على البر والتقوى، وتواصوا بالصبر أيضاً على ذلك، هؤلاء هم الصالحون، هؤلاء هم الرابحون، هؤلاء هم السعداء هم الأخيار، فعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يحرص على أن يكون من هؤلاء، وعلى أن يبذر وسعه على أن يتخلق بهذه الأخلاق، لعله يكون من الناجين الرابحين المفلحين، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.