فصل في تقسيم ذمم أهل الكتاب

السؤال: فصل في تقسيم ذمم أهل الكتاب

الإجابة

الإجابة: فصل:

قسم الله من ذمه من أهل الكتاب إلى مُحَرِّفين وأمِّييّن، حيث يقول‏:‏ {‏‏أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 75-79‏]‏‏.

‏‏ وفى هذا عبرة لمن ركب سُنَّتَهم من أمتنا؛ فإن المنحرفين فى نصوص الكتاب والسنة كالصفات ونحوها من الأخبار والأوامرقوم يحرفونه إما لفظاً وإما معنى، وهم النافون لما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم جحوداً وتعطيلا، ويدعون أن هذا موجب العقل الصريح القاضي على السمع‏.‏

وقوم لا يزيدون على تلاوة النصوص لا يفقهون معناها، ويدعون أن هذا موجب السمع الذي كان عليه السلف، وأن الله لم يرد من عباده فهم هذه النصوص، فهم ‏{‏‏لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 78‏]‏، أي تلاوة ‏{‏‏وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 78‏]‏‏.

‏‏ ثم يصنف أقوام علوما يقولون‏:‏ إنها دينية، وإن النصوص دلت عليها والعقل، وهى دين الله مع مخالفتها لكتاب الله، فهؤلاء الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون‏:‏هو من عند الله بوجه من الوجوه‏.

‏‏ فتدبر كيف اشتملت هذه الآيات على الأصناف الثلاثة، وقوله فى صفة أولئك‏:‏ ‏{‏‏أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 76‏]‏، حال من يكتم النصوص التي يحتج بها منازعه، حتى إن منهم من يمنع من رواية الأحاديث المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أمكنهم كتمان القرآن لكتموه، لكنهم يكتمون منه وجوه دلالته من العلوم المستنبطة منه، ويعوضون الناس عن ذلك بما يكتبونه بأيديهم ويضيفونه إلى أنه من عند الله‏.



مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.