الكلام على المعيّة

السؤال: نريد شرحاً لما يتعلق بالمعيّة؟

الإجابة

الإجابة: إن هذه المسألة قد خاض فيها علماء هذا البلد في العصر السابق علينا، وكان خوضهم فيها من جهتين:

الجهة الأولى: فيما ذهب إليه كثير منهم من أن المعيّة صفة ذات من صفات الله سبحانه وتعالى، وخالفهم الآخرون فرأوا أنها من الصفات الاختيارية أو الصفات الفعلية، وعموماً قد ثبتت المعية، وهي قسمان: معية خاصة ومعية عامة.

فالمعية الخاصة: لا خلاف فيها بين أهل العلم، وهي معية النصرة والتأييد كقول الله تعالى: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} [البقرة] فهذه معية النصرة والتمكين والتأييد فلا خلاف فيها، أما المعية العامة فهي محل الخلاف، وقد جاءت في آيتين من كتاب الله، في آية سورة الحديد وفي آية سورة المجادلة، أما آية سورة الحديد فهي قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ}، وأما آية سورة المجادلة فهي قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ}، وقد جاء عن الصحابة تأويلها بالعلم والإحاطة، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس وأم سلمة رضي الله عنهما، فتأولها أهل العلم تبعاً لما تأولها به السلف من أن المقصود بها العلم والإحاطة، وعلى هذا فهي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى الفعلية وليست صفة ذات من صفاته.

والذين يرون أنها صفة ذات يرون أن التأويل في ذاته لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ورد عن بعض أصحابه فقولهم يمكن أن يكون اجتهاداً منهم، وقول الصحابي إذا لم يكن مما لا يمكن أن يأخذه برأيه فليس بحجة على غيره.

وقد رأى فيها العلامة حامد بن محمذ بن محنض بابه رأياً آخر في ذلك الوقت مؤداه أن تغير النسبة لا يلزم منه تغير المنتسبين، فيقول: كان الله قبل العالم وسيبقى الله بعد فناء ما يفنى من العالم، والله الآن مع العالم فالعالم هو الذي وجد الآن، الله كان موجوداً وسيبقى كما كان، فهو على ما عليه كان والعالم هو المحدث، فالفترة التي كانت قبل كون العالم الله فيها وحده، والفترة التي فيها العالم الله فيها مع العالم، والفترة التي بعد ذلك الله فيها وحده، فتكون المعية حينئذ بمعنى التغير في النسبة، ولا يلزم منه تغير المنتسبين كالشخص الجالس هنا أمام هذه السارية إذا قام من مكانه فجلس خلفها فالنسبة تغيرت والمنتسبان لم يتغيرا فالسارية هي هيَ والشخص هو هوَ، ولكن النسبة تغيرت فقد كان أمامها فأصبح خلفها، وهذا رأي للشيخ حامد وهو مما لا ينبغي أن يُختلف فيه أصلاً في هذه المسألة، وقد قال المختار بن حامد فيها في ذلك الوقت:
يا منكر الإيمان بالمعيّة *** على مراد بارئ البريّة أكافر أنت بها أم أنتا *** على مراد غيره آمنتا
وقد قال شيخي محمد علي رحمة الله عليه:
إني قد آمنت بالمعيّة *** على مراد بارئ البريّة جاء الهدى بها وجاءت سنن *** وإن هذين لنعم السنن لكنه بينه سادات *** هم لتبيين الهدى هدات بالعلم أولوا وما تأولوا *** قضى على الآخر فيه الأول
وما كتب فيها العلامة الشيخ لمهابه بن الطالب إميجن، والعلامة الشيخ أحمد أبو المعالي رحمه الله تعالى مؤداه هو ما ذكرناه، فالخلاف فيها منحصر في هذه الأمور، وتأليف الشيخ محمد الخضر بن مايابى فيها أيضاً فيما يتعلق بالمعية بالذات لا يخرج عن هذه الأمور.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.