هل يصوم المسافر إلى الدول الغربية؟ وكيف يغض بصره؟

السؤال: امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر، أفتني أثابك الله الجنة بمنه وكرمه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابة

الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم وصل سرنا صحتكم الحمد لله على ذلك، وفهمت ما فيه من مشكلة الأخ...

وجوابها: أنه ليس في مسألته إشكال، فالرجل وأهله في أمريكا على سفر لم يقيما في أمريكا إلا لحاجة متى انتهت رجعوا من أمريكا وقد قال الله تعالى في الصيام: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تحديد السفر بمدة معينة، بل قد أقام صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة وكونه يقصر الصلاة دليل على أن حكم السفر باق لم ينقطع بإقامة هذه المدة، ولم يقل لأمته: "إذا أقمتم أكثر من ذلك فقد انقطع حكم سفركم"، وليس عند من حدد انقطاع حكم السفر بمدة دليل، ولذلك تجدهم مختلفين في ذلك، فمنهم من حده بأربعة أيام، ومنهم من حده بإحدى وعشرين صلاة، ومنهم من حده بخمسة عشر يوماً، ومنهم من حده بتسعة عشر يوماً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ص137ج24): فقد تضمنت هذه الأقوال (يعني أقوال المحددين لمدة انقطاع السفر) تقسيم الناس إلى مسافر، ومقيم مستوطن، ومقيم غير مستوطن، أوجبوا عليه إتمام الصلاة والصيام والجمعة، قال: وهذا تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع، قال: والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة ليس معلوماً بشرع ولا لغة ولا عرف، وقال (في ص184من المجلد المذكور): "وقد بين في غير موضع أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله إلا مقيم ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة".أ.ه.

وعلى هذا فليس على الأخ... سوى قضاء الأيام التي أفطرها لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ففي هذه الاۤية الكريمة والاۤية التي ذكرناها قبل أن الواجب عليه عدة من أيام أخر. وزوجته مثله بل فيها عذر آخر وهو الحمل إذا كان الصيام يشق عليها فإنها تفطر ولو كانت في بلدها وتقضي كالمريض.

وليس على الأخ ... ولا على أهله إثم بفطرهما المذكور لأنهما على سفر، صحيح أن الأفضل للمسافر أن يصوم إذا لم يجد أي مشقة في الصوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام في رمضان ثم أفطر لما قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينتظرون ما تفعل. ولأن صومه في الشهر أسهل من القضاء غالباً، ولأنه أسرع في إبراء ذمته، وأما وجوب الصوم عليه حال السفر فلا. نعم إن كان يخشى المسافر من نفسه إذا أفطر أن لا يقضي فهنا قد يقال بوجوب الصوم عليه، والله أعلم.

بقي شيء في كتابكم أشرتم إليه وهو كثرة النساء هناك، وأن الإنسان لا يستطيع غض البصر.

. فالحقيقة أن غض البصر نوعان: نوع يستطيعه الإنسان ولا يعذر بتركه وهو عدم اتباع نظره النساء وتعمد رؤيتهن، وهذا شيء يستطيعه، وهو واجب عليه، أعني عدم اتباع نظره وتعمد رؤيتهن، لأنه في مقدوره، ولا فرق بين أن يكون في بلد يكثر فيه السفور أو يقل.

والنوع الثاني: لا يستطيعه الإنسان وهو النظر المباغت يرى المرأة فلا يتبع نظره إليها ولا يتعمد، بل هو ماش في طريقه فهذا لا يضره، ولا يأثم به، لأنه في غير مقدوره، وهذا والله أعلم هو السر في قوله: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، حيث جاء بمن الدالة على التبعيض، إذ بعض الغض لا يجب، وهو ما لا يدخل في مقدور الإنسان، أو ما تدعو الضرورة إليه: كنظر الطبيب ونحوه، أو الحاجة كنظر الخاطب.

وأخيراً سلم لنا على الأخ ... وبشره بالخير، وهنئه على ما في قلبه من خوف الله عز وجل، فإن الخائفين من الله في الدنيا هم الاۤمنون يوم القيامة.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الخوف من عذابه، ورجاء ثوابه، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والاۤخرة، إنه جواد كريم.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد التاسع عشر - كتاب الصيام.