فصل في ذكر كلام الجهمية

السؤال: فصل في ذكر كلام الجهمية

الإجابة

الإجابة: فصل:

وكان فيما ذكره إبطال لقول الجهمية المجبرة ونحوهم، ممن يقول‏:‏ إن الله قد يعذب العباد بلا ذنب، وأنه قد يأمر العباد بما لا ينفعهم، بل بما يضرهم، فإن فعلوا ما أمرهم به حصل لهم الضرر، وإن لم يفعلوه عاقبهم‏.‏

يقولون هذا ومثله، ويزعمون أن هذا لأنه يفعل ما يشاء‏.

‏‏ والقرآن يرد على هؤلاء من وجوه كثيرة، كما يرد على المكذبين بالقدر‏.‏ فالآية ترد على هؤلاء وهؤلاء كما تقدم مع احتجاج الفريقين بها، وهي حجة على الفريقين‏.‏

فإن قال نفاة القدر‏:‏ إنما قال فى الحسنة‏:‏ هي من الله، وفى السيئة‏:‏ هي من نفسك، لأنه يأمر بهذا، وينهى عن هذا، باتفاق المسلمين‏.‏

قالوا‏:‏ ونحن نقول‏:‏ المشيئة ملازمة للأمر، فما أمر به فقد شاءه، وما لم يأمر به لم يشأه‏.‏ فكانت مشيئته وأمره حَاضَّة على الطاعة دون المعصية؛ فلهذا كانت هذه منه دون هذه‏.‏

قيل‏:‏ أما الآية، فقد تبين أن الذين قالوا‏:‏ الحسنة من عند الله والسيئة من عندك، أرادوا‏:‏ من عندك يا محمد، أي‏:‏ بسبب دينك‏.‏ فجعلوا رسالة الرسول هي سبب المصائب، وهذا غير مسألة القدر‏.‏

وإذا كان قد أريد‏:‏ أن الطاعة والمعصية مما قد قيل كان قوله‏:‏‏{‏‏كُلًّ مِّنْ عِندِ الله}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 78‏]‏ حجة عليكم كما تقدم‏.‏

وقوله بعد هذا‏:‏‏{‏‏مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏79‏]‏ لا ينافى ذلك، بل ‏(‏الحسنة‏)‏ أنعم الله بها وبثوابها، و‏(‏السيئة‏)‏ هي من نفس الإنسان ناشئة، وإن كانت بقضائه وقدره، كما قال تعالى‏:‏‏{‏‏مٌن شّرٌَ مّا خّلّقّ‏} ‏[‏الفلق‏:‏2‏]‏، فمن المخلوقات ماله شر، وإن كان بقضائه وقدره‏.

‏‏ وأنتم تقولون‏:‏ الطاعة والمعصية هما من إحداث الإنسان، بدون أن يجعل الله هذا فاعلا وهذا فاعلا، وبدون أن يخص الله المؤمن بنعمة ورحمة أطاعه بها‏؟‏ وهذا مخالف للقرآن.



مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.