تبرك الصحابة برسول الله، وحكم قياس الصالحين عليه

رأيت في بعض الكتب المنتشرة عندنا في الصومال أن الصحابة-رضي الله عنهم- كانوا يزدحمون على ماء وضوء سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، يتبركون به، وإذا تنخم أو بصق يأخذون ذلك ويتمسحون به، وازدحموا على الحلاق عند حلق رأسه صلى الله عليه وسلم، واقتسموا شعره يتبركون به، وشرب عبد الله بن الزبير دمه صلى الله عليه وسلم لما احتجم، وشربت أم أيمن بوله، فقال لها: صحة يا أم أيمن! فما صحة ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً، وهل يجوز أن يقيس الناس على مثل هذه الأحوال إن كان ما ورد صحيحاً؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فلا ريب أنه قد ثبت عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام-أن الصحابة - رضي الله عنه – كانوا يتبركون بماء وضوئه، وبشعره-عليه الصلاة والسلام-، وببصاقه-عليه الصلاة والسلام-، ونخامته، كل هذا ثابت عنه-عليه الصلاة والسلام-، وعن الصحابة، فقد ثبت في حديث أبي جحيفة في الصحيحين في حجة الوداع أنه لما خرج بلال بوضوئه - صلى الله عليه وسلم - كان الصحابة يتناولون منه ما تيسر هذا يأخذ قليلاً وهذا يأخذ كثيرا من وضوئه- عليه الصلاة والسلام-، وثبت في صلح الحديبية أنه كان إذا تنخ نخاعة أو بصق تلقاها الصحابة وجعلوا يدلكون بها أجسامهم لما جعل الله فيه من البركة, فلما حلق في حجة الوداع قسم نصف الشعر بين الصحابة، والنصف الثاني أعطاه أبا طلحة - رضي الله عنه – كل هذا ثابت عن النبي-عليه الصلاة والسلام-، وليس هناك شك عند أهل العلم في بركة جسمه-صلى الله عليه وسلم – وشعره, وما مس جسمه, ووضوئه, وعرقه-عليه الصلاة والسلام-لكن لا يقاس عليه غيره؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم –ما فعلوا هذا مع الصديق ، ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع علي وهم أفضل الصحابة وخير الصحابة، هم أفضل الناس بعد الأنبياء ، فلو كان هذا مشروعاً, أو جائزاً مع غير النبي - صلى الله عليه وسلم – لفعله المسلمون مع هؤلاء الأخيار؛ ولأن ذلك قد يكون وسيلة إلى الشرك والغلو فلهذا منعه أهل العلم، الصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يقاس على الرسول - صلى الله عليه وسلم – أحد, بل هذا خاص به - صلى الله عليه وسلم – لما قد ثبت وعلم من بركته - صلى الله عليه وسلم – في جسمه, وعرقه, وشعره, وسائر أجزائه-عليه الصلاة والسلام-، ولأنه أقر الصحابة على ذلك, فلولا أنه جائز لما أقرهم, فلا يقاس عليه غيره لأمور كثيرة, أما التبرك بالعلماء, أو العباد الذي يفعله بعض الناس هذا غلط ولا يجوز؛ لأنه خلاف هدي الرسول-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه, فلم يفعله المسلمون مع فضلائهم وكبارهم كالخلفاء الراشدين, ولم يفعلوه مع بقية الصحابة ولو كان خيراً لسبقونا إليه؛ ولأن العبادات توقيفية؛ ولأن هذا قد يفضي إلى الشرك والغلوا فلهذا رجح المحققون من أهل العلم منعه مع غير النبي-عليه الصلاة والسلام-، أما شرب ابن الزبير دمه، وأم أيمن بوله فهذا محل نظر قد ورد هذا ولكن صحته فيه نظر فهو يحتاج إلى تمحيص ونظر, ونظر في أسانيد القصة ، والأصل تحريم الدم وتحريم البول هذا هو الأصل، أن الله حرم علينا البول لأنه نجس، وحرم الدم لأنه من الخبائث وهو نجس فإن صح فهذا يستثناء؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - له خصائص، فإذا صح فيكون هذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم – كما قلنا في مسألة العرق, ومسألة الشعر, ومسألة البصاق هذا خاص به فهكذا إذا صح حديث أم أيمن ، وصح حديث ابن الزبير صار من الخصائص, وسوف نبحثه ونعتني به ويكون في حلقة أخرى إن شاء الله.