الصلاة خلف من يعتقد في القبور

هل تجوز الصلاة خلف من يعتقد في القبور؟

الإجابة

الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذا السؤال فيه إجمال: فإن الاعتقاد في القبور أنواع، فإن كان يعتقد فيها أنها تصلح أن تعبد من دون الله، وأن يستغاث بأهلها ، وينذر لهم ، ويذبح لهم ، ويُطاف بقبورهم ، فهذا الشرك الأكبر ، فلا يصلى خلفه ؛ لأنه مشرك ، والصلاة لا تصح إلا خلف المسلم. فإذا كان يعتقد أن أصحاب القبور يدعون من دون الله ، ويستغاث بهم ، وينذر لهم ، ويذبح لهم ، ونحو ذلك ، كما يفعله بعض الجهلة عند قبر البدوي ، أو الحسين ، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو غيرهم ، فهذا من الشرك الأكبر، فالذين يعتقدون الاعتقادات في أصحاب القبور ليسوا بمسلمين، بل هم كفار ، فعلهم فعل كفار قريش ، وأشباههم من جهالات العرب ، ومشركي العرب؛ لأن العرب كانت تعبد أصحاب القبور كاللات ، وينصبون ، ويعبدون الأصنام ، والأحجار والأشجار، ويستغيثون بهم ، وينذرون لهم ، ويذبحون لهم ، فحكم الله عليهم بالشرك، قال - جل وعلا - في كتابه العظيم: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [(18) سورة يونس]. وقال جل وعلا: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [(17) سورة التوبة]. فالذي يعبد الأصنام ، أو الأشجار ، أو الأحجار ، أو أصحاب القبور يعتبر مشركاً في حكم الإسلام ، ولا يُصلى خلفه. أما إن كان يعتقد في أصحاب القبور أنه يستحب زيارتهم ، والدعاء لهم ، كما شرع الله ذلك ، فهذا أمرٌ مشروع ، أصحاب القبور من المسلمين يستحب أن تزار قبورهم ، وأن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة ، هذا لا حرج فيه. وهناك نوعٌ ثالث : يعتقد في أصحاب القبور أنهم يُصلى عند قبورهم ، يقرأ عندها وأن فيه بركة ، ولكن لا يعبدون ، ولا يدعون ، ولا يصلى لهم ، ولا يطاف لهم ، لكن يرى أنهم يصلى عندهم قبورهم للبركة ؛ لأنها بقعة مباركة ، أو يرى أنه يقرأ عندها ، أو يتحرى عندها الدعاء ، يعني دعاء الله لا دعاءهم ، هذا من البدع ، ولا يكون مشركاً بذلك ، ينكر عليه ، ويبين له أن هذا غلط ، وأن الله ما شرع لنا أن نصلي عند القبور ، ولا أن نقرأ عندها ، ولا أن ندعو الله عندها ، يقول - صلى الله عليه وسلم - : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). فالمساجد هي التي يصلى فيها، يدعى فيها ، .... فيها ، أما القبور لا، تزار للدعاء لهم ، تزار القبور إذا كانت قبور المسلمين يدعى لهم بالرحمة والمغفرة ؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة). وكان يعلم أصحابه - عليه الصلاة والسلام - ورضي الله عنهم يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية). وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - في مسلم كان يقول: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) . وفي حديث ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - زار القبور قبور المدينة ، فقال: (السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنت سلفنا ونحن بالأثر). هذه الزيارة الشرعية . فالمسلم يزور قبور المسلمين في بلده من غير شدّ رحل ، يزورهم من دون شد رحل، ويسلم عليهم ، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة والعافية ، هذه الزيارة فيها خيرٌ كثير ، تنفع الميت والحي. الحي يتذكر الآخرة ، يستعد للآخرة ، يدعو لإخوانه الميتين ، والأموات ينتفعون بهذا الدعاء. إما إن كان الميت ليس بمسلم فإنما يزار للعبرة فقط ، ولا يدعى له ، كما زار النبي قبر أمه، وقد سأل ربه أن يستغفر لها فلم يؤذن له ، فزارها للعبرة ، فإذا زار القبور قبور الكفار للعبرة ولتذكر ، تذكر الآخرة، فلا بأس، لكن لا يدعو لهم ؛ لأن الكافر لا يستغفر له ولا يدعى له. وهكذا من مات على الجاهلية على حال الجاهلية على كفر الجاهلية كأم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماتت على ...... الجاهلية ، فنهي أن يستغفر لها عليه الصلاة والسلام. فالحاصل أن زيارة القبور على هذا التفصيل ، والاعتقاد في القبور على هذا التفصيل : من يعتقد فيها أنها تدعى من دون الله ، وأنها يصلح أن تتخذ آلهة تعبد من دون الله ، تدعى من دون الله، يستغاث بها ، يطاف بها كما يطاف بالكعبة ، والتقرب إلى أصحاب القبور ، يذبح لأهلها ، هذا شركٌ أكبر ، وهذا عمل الجاهلية ودين الجاهلية من قريش وغيرهم ، فلا يصلى خلف صاحبه ، ولا تؤكل ذبيحته ؛ لأنه ليس بمسلم. النوع الثاني : أن يعتقد في أهل القبور أنهم يزارون ، وأنه يدعى لهم ، ويترحم عليهم من دون شد رحل ، فهذا الزيارة الشرعية ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) كما تقدم. والأموات في حاجة إلى هذه الزيارة ، يدعى لهم ، يستغفر لهم ، يترحم عليهم ، هذا أمرٌ مشروع فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر به. النوع الثالث : أن يعتقد في القبور أن الصلاة عندها قربة ومفيدة ، أو القراءة عندها ، أو الدعاء عندها ، هذا معصية ، هذا من البدع ، لا أصل له ، لا تزار ليدعى عندها ، أو يصلى عندها ، أو يقرأ عندها، لا، هذا لا أصل له ، بل هذا يكون في المساجد ، يكون في البيوت ، يصلي في المسجد ، يقرأ في المسجد أو في بيته ، يدعو في بيته أو المسجد، هذا ليس من شأن القبور، القبور لا تزار لأجل هذا ، لا تزار لأجل أن يجلس عندها للدعاء ، أو الصلاة عندها ، أو القراءة عندها ، هذا ما هو بمشروع ، بل هو من البدع ، ومن وسائل الشرك - نسأل الله للجميع التوفيق والهداية -. جزاكم الله خيراً.