المغالاة في المهور

هل المرأة مكان للتجارة حيث يتعنت الآباء في تكاليف الزواج؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد.. فلا شك أن هذه المسألة التي تقدمت بها الأخت في الله صابرين مسألة جديرة بالعناية, فإن الواجب على الآباء أو يعنوا بالبنات, وأن يجتهدوا في تزوجيهن على الأكفاء, وأن يسهلوا التزويج, وأن لا يتكلفوا, فليست المرأة سلعة تباع وتشترى, وليست محلاً للتجارة, ولكن المقصود التماس الكفء الصالح الدين الذي يتولاها ويحسن إليها فإن ناسبته أحسن إليها, وأحسن عشرتها, وإن لم تناسبه لم يظلمها بل وسع لها, هذا هو الواجب على الآباء وعلى الأولياء جميعاً أن يتقوا الله في النساء, وأن يجتهدوا في التماس الأكفاء وعدم رد الخاطب الطيب, وأن لا يجبروهن على أن لا يرضين لا بد من استئذانها, ولا بد من أخذ رضاها إذا بلغت تسعاً فأكثر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر, ولا تنكح البكر حتى تستأذن, قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها. قال: أن تسكت) وفي اللفظ الآخر: (قالوا: يا رسول الله! إنها تستحي؟ قال: إذنها صماتها), وفي اللفظ الآخر (واليتيمة تستأذن وإذنها السكوت), واللفظ الآخر: (والبكر يستأذنها أبوها وإذنها السكوت), وصرح بالأب وأن الأب ليس له جبر، وهو الأب الذي هو أقرب ولي, فإذا كان الأب لا يجبر فالبقية من باب أولى, وهذا هو المختار, وذهب بعض أهل العلم إلى أن الأب يجبر البكر ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأب يجبر البكر التي لم تتزوج, وهذا قول مرجوح, والصواب أنه ليس له الإجبار, بل عليه أن يستأذنها, وينصحها, ويشير عليها, وليس له جبرها ما دامت بلغت تسع فأكثر, أما إن كانت أقل من تسع فلا بأس أن يزوجها بغير إذنها لأنه أعلم بمصالحها, والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة, ولم تستأذن لأنها كانت صغيرة بنت ست أو سبع كما جاء في الحديث الصحيح زوجها الصديق وهي بنت ست أو سبع, ودخل عليها النبي من تسع عليه الصلاة والسلام, فالحاصل إذا كانت دون تسع ورأى من المصلحة أن يزوجها لئلا يفوت الكفء الطيب, لا من أجل المال بل من أجل مصلحة دينية إذا رأى وليها يعني أباها أن يزوجها وهي دون التسع؛ لأنه خطبها رجل كفء طيب صاحب دين وخير, وخشي أن يفوت فلا بأس, أما بقية الأولياء فليس لهم تزويجها إلا بإذنها بعد التسع, ليس لها أن يزوجه وهي صغيرة قبل التسع لا, إنما هذا خاص بالأب في قصة عائشة - رضي الله عنها - أما بقية الأولياء كالإخوة, والأعمام, ونحوهم فليس لهم تزويج البنت حتى تكمل تسعاً, حتى تصلح للزواج, ثم لا بد من استئذانها فإن أذنت وإلا لم يجز لهم تزويجها, وليس لهم التعنت بالتماس أصحاب المال, وأصحاب التجارة, أو الوزارة, والوظائف لا, الواجب عليهم أن لا يردوا الخاطب الكفء وإن كان من غير ذوي المناصب, ولهذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير), وفي لفظ: (وفساد عريض), وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تنكح المرأة لأربع لمالها, ولجمالها, ولحسبها, ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك), فإذا كان الرجل يؤمر بأن يظفر بذات الدين هكذا ولي المرأة, وهكذا المرأة عليهم الحرص الظفر بذي الدين، وصاحب الدين, فعليها أن تسعى لذلك وتجتهد في ذلك, وتقول لأوليائها أن يلتمسوا ذلك, وعلى وليها أن يجتهد في ذلك, حتى يلتمس الكفء الطيب فإن صاحب الدين ينفعها ولا يضرها, بخلاف الفجرة فإنهم يضرونها, وقد يجروها إلى فجورهم أصحاب الخمور, وأصحاب الفساد شرهم عظيم, فينبغي التحرز منهم حتى لا يضروها, أما الذي لا يصلي فلا يزوج، فالذي لا يصلي لا يزوج من المرأة المسلمة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء, فالحاصل والخلاصة أن الواجب على الآباء والأولياء أن يعنوا بالأكفاء وأن يحرصوا على تزويج البنات من الرجل الطيب ولو كان فقيراً, ولو كان بمهر قليل فالمطلوب عفتها, وصيانتها, ليس المطلوب المكاثرة بالمال قال تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ, فالمال يأت به الله- سبحانه وتعالى-, وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإن أغض للبصر, وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء), ولم يقل إذا خطب منكم ذو المال الكثير, بل أمر الجميع بالزواج فهذا عام للرجال والنساء (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحصن للفرج) فإذا كان الشاب مأمور بالزواج فهي كذلك مأمورة, إذا خطب منها الكفء عليها أن تتزوج, وعليها أن تبادر, وعليها أن ترضى, وأن تقبل, ولا يجوز لأوليائها منع الزواج من أجل المال والمكاثرة بالمال, أو لأسباب لا وجه لها. جزاكم الله خيراً