معنى وإن أتاني يمشي أتيته هرولة

لقد قرأت في رياض الصالحين، بتصحيح السيد علوي المالكي، ومحمود أمين النواوي، فقرأت حديثا قدسيا يتطرق إلى هرولة الله- سبحانه وتعالى-، والحديث هو المروي عن أنس-رضي الله عنه -عن النبي-صلى الله عليه وسلم -فيما يرويه عن ربه- عز وجل- قال: (إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري، فقال المعلقان في تعليقهما عليه: "إن هذا من باب التمثيل وتصوير المعقول بالمحسوس لزيادة إيضاحه"، فمعناه: أن من أتى شيئاً من الطاعات ولو قليلاً أثابه الله بأضعافه وأحسن إليه بالكثير، وإلا فقد قامت البراهين القطعية على أنه ليس هناك تقرب حسي ولا مشي ولا هرولة من الله- سبحانه وتعالى- عن صفات المحدثين، فهل ما قالاه في المشي والهرولة موافقاً لما قاله سلف الأمة على إثبات صفات الله وإمرارها كما جاءت، وإذا كان هناك براهين دالة على أنه ليس هناك مشي ولا هرولة فنرجو منكم إيضاحها؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فلا ريب أن الحديث المذكور صحيح، فقد ثبت عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (يقول الله-عز وجل-: من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، وهذا الحديث الصحيح على عظيم فضل الله-عز وجل-, وأنه بالخير إلى عباده أجود فهو أسرع إليهم بالخير, والكرم, والجود منهم في أعمالهم ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح, ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعوا هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعترضوه, ولم يسألوا عنه, ولم يتأولوه فهم صفوة الأمة وخيرها, وهم أعلم الناس باللغة العربية, وأعلم الناس بما يليق بالله وما يليق ونفيه عن الله- سبحانه وتعالى-, فالواجب في مثل هذا أن يتلقى بالقبول, وأن يحمل على خير المحامل, وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه, فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره, وليس مشيه كمشيهم, ولا هرولته كهولتهم, وهكذا غضبه, وهكذا رضاه, وهكذا مجيئه يوم القيامة, وإتيانه يوم القيامة للقضاء بين عباده, وهكذا استواؤه على العرش, وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة, كلها صفات تليق بالله- جل وعلا- لا يشابه فيها خلقه, فكما أن استوائه على العرش, ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة لا يشابه استواء خلقه, ولا مجيء خلق, ولا نزول خلقه, وهكذا تقربه إلى عباد العابدين له، والمسارعين إلى طاعته تقربه إليهم لا يشابهه تقربهم, وليس قربه منهم كقربهم منه, وليس مشيه لهم كمشيهم, ولا هرولته كهرولتهم بل هو شيء يليق بالله لا يشابهه فيه خلقه-سبحانه وتعالى- كسائر الصفات, فهو أعلم بصفاته, وأعلم بكيفيتها-عز وجل-, وقد أجمع سلف الأمة على أن الواجب في صفات الرب, وأسمائه إمرارها كما جاءت, واعتقاد معناها, وأنه حق يليق بالله-سبحانه وتعالى- وأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو, كما أنه لا يعلم كيفية ذاته إلا هو-سبحانه وتعالى-, فالصفات كالذات, فكما أن الذات يجب إثباتها لله, وأنه-سبحانه وتعالى-هو الكامل في ذلك, فهكذا صفاته يجب إثباتها له –سبحانه- مع الإيمان والاعتقاد بأنها أكمل الصفات وأعلاها, وأنها لا تشابه صفات الخلق كما قال-عز وجل-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (الإخلاص:1-4) ، وقال-عز وجل-: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل:74) ، وقال-سبحانه-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(الشورى: من الآية11)، فرد على المشبهة بقوله: ليس كمثله شيء، فلا تضربوا لله الأمثال، ورد على المعطلة بقوله: وهو السميع البصير،قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(لأنفال: من الآية63)، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(الحج: من الآية75)، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(البقرة: من الآية173)، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(البقرة: من الآية20)، إلى غير ذلك، فالواجب على المسلمين علماء وعامة الواجب عليهم جميعاً إثبات ما أثبته الله لنفسه إثباتاً بلا تمثيل, ونفي ما نفاه الله عن نفسه, وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه تنزيهاً بلا تعطيل هكذا يقول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم من سلف الأمة, كالفقهاء السبعة, وكمالك بن أنس, والأوزاعي, والثوري, والشافعي, وأحم, وأبي حنيفة, وغيرهم من أئمة الإسلام أمروها كما جاءت, وأثبتوها كما جاءت من غير تحريف, ولا تعطيل, ولا تكييف, ولا تمثيل, وأما ما قاله المعلقان في هكذا علوي وصاحبه محمود فهو كلام ليس بجيد وليس بصحيح، ولكن مقتضى هذا الحديث أنه- سبحانه- أسرع بالخير إليهم وأولى بالجود والكرم, ولكن ليس هذا هو المعنى, فالمعنى شيء, وهذه الثمرة, وهذا المقتضى شيء آخر, فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم, ولكنه ليس هذا هو المعنى, بل المعنى يجب إثباته لله من التقرب, والمشي, والهرولة, شيء يجب إثباته لله على الوجه اللائق به- سبحانه وتعالى- من غير أن يشابه خلقه بشيء من ذلك, فنثبته لله على الوجه الذي أراده الله، من غير تحريف, ولا تعطيل, ولا تكييف, ولا تمثيل. يعني قولهما يا سماحة الشيخ/ أن هذا من تصوير المعقول بالمحمود، هذا غلط، هكذا يقولون في أشياء كثيرة. وهذا قول المؤولون والأصل عدم التأويل, الواجب عدم التأويل, وعدم التمثيل, وعدم التكييف, والتحريف، لكن تمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت, ولا يتعرض لها بتأويل, ولا بتحريف, ولا بتعطيل بل نثبتها لله كما أثبتها لنفسه, وكما خاطبنا بها إثباتاً يليق بالله لا يشابهه في الخلق- سبحانه- كما نقول في الغضب, واليد, والوجه, والأصابع, والكراهة, والنزول, والاستواء الباب واحد، باب الصفات باب واحد،وهكذا المجيئ يوم القيامة فالذي يقول ما هو مجيء يوم القيامة يكذب فالمجيء هو المشي.