صفة صلاة الليل

يطلب من سماحة الشيخ الحديث عن صلاة الليل وعن صفة الصلاة، ولا سيما أنه قد قرأ كثيراً من الأوصاف عن هذه الصلاة؟

الإجابة

صلاة الليل قربة عظيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة صلاة الليل)، فصلاة الليل لها شأن عظيم، قال الله جل وعلا في وصف عباده المؤمنين عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) سورة الفرقان، وقال سبحانه في وصف المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) سورة الذاريات، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا*نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا الآية (1-3) سورة المزمل، وقال سبحانه وتعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) سورة السجدة، فصلاة الليل لها شأن، والأفضل فيها أن تكون مَثْنى مثنى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، فيصلي ما تيسر له ثنتَين ثنتين ثم يوتر بواحدة، وأفضلها في آخر الليل، في الثلث الأخير، وإن صلى في أول الليل قبل أن ينام لئلا يغلب عليه النوم في آخر الليل واحتاط في ذلك فلا بأس، هو أعلم بنفسه، إن قدر في آخر الليل فهو أفضل، وإن لم يتيسر له ذلك أوتر في أول الليل، وأقله واحدة، أقل الإيتار في الليل واحدة بعد صلاة العشاء، وبعد سنتها الراتبة ركعة واحدة، فإن أوتر بثلاث فالأفضل أن يسلم من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة، وهكذا إذا أوتر بخمس يسلم من أربع من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة، وهكذا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب يوتر بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين ثم يوتر بواحدة، وربما أوتر بثلاث عشرة وسلم من كل ثنتين وأوتر بواحدة عليه الصلاة والسلام، والأمر في هذا واسع والحمد لله، وليس فيه حد محدود، فلو أوتر بعشرين أو بثلاثين أو بأربعين يسلم من كل ثنتين ثم أوتر بواحدة كل هذا لا بأس به، ولكن يراعى في هذا الطمأنينة وعدم العجل والنقر، يطمئن في صلاته ويخشع فيها ولا يعجل، خمس ركعات، أو سبع ركعات مع الطمأنينة والعناية أفضل من تسع أو إحدى عشر مع العجلة. المقدم: كيف يعتاد المرء عليها لو تكرمتم سماحة الشيخ؟ الشيخ: السنة أن يداوم عليها، سواء كانت في أول الليل، أو في وسط الليل أو في آخر الليل، والأفضل آخر الليل إذا تيسر، يقول صلى الله عليه وسلم: (من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أول الليل، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل)، رواه مسلم في الصحيح، هذا هو الأفضل إذا تيسر، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر)، متفق على صحته، هذا الحديث العظيم، يدل على أن آخر الليل أفضل، لأنه وقت التنزل لله، وهو نزول يليق بالله لا يشابه الخلق سبحانه وتعالى، مثل الاستواء والغضب والرضا والرحمة كلها تليق بالله لا يشابه الخلق سبحانه وتعالى، فهو ينزل نزولاً يليق بجلاله، لا يشابهه نزول خلقه، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، وهكذا قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) سورة طه، وقوله جل وعلا: ..رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ.. (119) سورة المائدة، ..غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.. (13) سورة الممتحنة، وما أشبه ذلك، كلها صفات تليق بالله، لا يشابه الخلق في غضبهم ولا في استوائهم ولا في نزولهم ولا في رحمتهم إلى غير ذلك، صفات كلها تليق بالله، يجب إثباتها لله على وجه لائق بالله فيه، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. المقدم: إذن كيفية الاعتياد عليها حتى يكون المرء معتاداً لصلاة الليل أو على صلاة الليل كيف يفعل؟. الشيخ: كيف؟ المقدم: إذا أراد الإنسان أن تكون صلاة الليل له عادة معتادة عبادة كيف يفعل؟ الشيخ: يستمر، يستمر على العدد المعلوم الذي يستطيعه على ثلاث على خمس على سبع، وإذا زاد بعض الأحيان عند النشاط فلا بأس، لكن يعتاد عدداً معلوماً ويداوم عليه لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل)، فالعمل الدائم أفضل، فإذا زاد فيه بعض الأحيان عند النشاط فهذا ينفعه ولا يضره. المقدم: كثرت الصوارف عن صلاة الليل -سماحة الشيخ- هل من توجيه لو تكرمتم؟ الشيخ: نعم، السنة للمؤمن ألا يسهر، وأن ينام مبكراً هذا هو السنة للمؤمن، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينام مبكراً عليه الصلاة والسلام، وينهى عن السمر بالليل، قال أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبلها والحديث بعدها)، يعني صلاة العشاء، وقال مسعود بن : نهى عن السمر بالليل، فالسمر بالليل يفضي إلى النوم عن صلاة آخر الليل، فإذا كان ممن تدعوا الحاجة إلى سمره كالإمام، إمام المسلمين السلطان، أمير البلد، الهيئات الذين يسهرون لصالح المسلمين، فهؤلاء الأفضل لهم أن يوتروا في أول الليل حتى لا تفوتهم الصلاة، وأما أن يسهر للقيل والقال والسواليف التي لا فائدة فيها، أو على ما حرم الله من الأغاني وآلات اللهو أو على الغيبة والنميمة كل هذا لا ينبغي، بل لا يجوز فيما يتعلق بالأغاني والملاهي وأشباه ذلك، وأعظم من هذا أن يسهر على الخمور ولعب الميسر ونحو ذلك، فالأصل أنه يجب على المؤمن أن يحذر ما يشغله عن صلاة الفريضة، ويستحب له أن يعتاد التبكير حتى يقوم من الليل، وحتى يتيسر له القيام من الليل لأداء العبادة التي هي النافلة، التهجد من الليل، ولا ينبغي له السمر مطلقاً إلا في مصالح المسلمين أو في أمور ضرورية مع ضيف ونحوه أو مع أهله، وكل سمر قد يفضي به إلى ترك الفريضة أو إلى إضاعة صلاة الفجر فهو سمر ممنوع لا يجوز، حتى ولو كان في قراءة القرآن ولو في صلاة التهجد ليس أن يسمر ويسهر على وجه يضيع عليه صلاة الفجر، ينام مبكراً، ويصلي مع تيسر في أول الليل أو في آخره حتى يصلي صلاة الفجر، ويستعين على هذا بخير أهله ليوقظونه أو بالساعة المنبهة، يؤقتها على وقتٍ مناسب قبل أذان الفجر بقليل حتى يقوم، أو في وقت تهجده قبل الأذان بساعة أو بأكثر على حسب حاله حتى يقوم للتهجد، فإن أوتر في أول الليل ولم يقم إلا عند الفجر فلا بأس لا حرج في ذلك. كدت أسألكم عن القراءة وإذا بكم تقولون حتى السهر على قراءة القرآن إذا أدى ذلك إلى التأثير على صلاة الفريضة أو على قيام الليل فإن المرء مدعوٌ لتركه.