حكم من قال لزوجته ستون مرة طالق

أنا رجل متزوج، وقد حصل شجارٌ بيني وبين زوجتي، وفي حالة غضبي طلبت مني أن أعطيها كلمة الطلاق، فقلت لها أثناء هذا الشجار: أنت ستون مرة طالق، وحصل هذا الكلام مني مرتين في خلال عشرة أيام، وعاشرتها بعد ذلك لمدة شهر، وبعدها سافرت إلى خارج بلدي، أفيدوني لأنني في حيرةٍ كبيرة، ولأنني مسافر إلى بلدي بعد فترة قصيرة فماذا أفعل ، هل هي طالق فعلاً وتحتاج إلى عقد جديد لاعادتها إلى عصمتي ، مع العلم أن كل الكلام مني لم يكن من القلب ؟

الإجابة

هذا الطلاق أولاً منكر, لا يجوز أن يقول ستون طلقة, ولا ثلاث طلقات, ولا أربع, ولا عشر ، المشروع أن يطلق واحدة المؤمن طلقته يقول أنت مطلقة, أنت طالق, ولا يأتي بأزيد من هذا فيقول عشرين, أو ثلاثين, أو ستين, أو أكثر كل هذا منكر ، ولما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً طلق بالثلاث غضب فقال: ( أيعلب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ), قال ابن عمر : لما بلغه أن رجلاً قد طلق ثلاث قال: قد عصيت ربك فيما أمرك من طلاق امرأتك، فلا يجوز للزوج أن يطلق بالثلاث, أو بالستين, أو بالمائة كل هذا لا يجوز ، أما الواقع وهو أنك قلت لها ستون طالق في عشرة أيام مرتين، هذا ينظر فيه فإن كان الغضب قد اشتد معك حتى صار عقلك غير مضبوط, واختل شعورك, أو اشتد معك الغضب جداً حتى لم تملك نفسك بسبب شدة النزاع والكلام الذي جرى بينكما فهذا على الصحيح لا يقع به الطلاق عند شدة الغضب الذي يغلب عليه عدم قدرته على ضبط نفسه ومنعه من الطلاق ، وعدم تعقله مضار الطلاق فهو شبه معتوه و شبه مجنون, أو ما يقرب من ذلك، فهذا لا يقع طلاقه, وهكذا لو كان عنده بعض العقل ولكنه قد اشتد ب الغضب وصار سبعين بالمائة, ثمانين بالمائة أخو المجنون و أخو المعتوه لشدة الغضب فهذا لا يقع طلاق في هذه الأحوال التي اشتد فيها الغضب, وغلب عليه الغضب حتى عجز عن ضبط نفسه وعن ملكها, وعن الإمساك عن الطلاق، وهكذا لو كان في طهر جامعتها فيه وليست حاملاً, وليست آيسة بل تحيض, أو في نفاس, أو في حيض فإن هذا الطلاق لا يقع, إذا كان في حال حيض أو نفاس, أو طهر جامعتها فيه وهي ليست حاملاً, وهي ممن يحيض فإن الطلاق لا يقع في هذه الحال على الصحيح من أقوال أهل العلم, أما إن كانت في طهر لم تجامعها فيه, أو في حال حمل, فإن الطلقتين واقعتان إذا كان شعورك معك, والغضب ليس قد بلغ الشدة التي تمنع من وقوع الطلاق بل غضب عادي فإن الطلاق يقع, ويقع بكل جملة طلقة, فالأولى طلقة, والثانية طلقة على الصحيح؛ لأن الصحيح الطلاق بالثلاث بلفظ واحد و هكذا ما في حكمه كالطلاق بالأربع, أو بالعشر, أو بالمائة, فالصحيح أنه يقع واحدة لما ثبت عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال كان الطلاق على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى عهد الصديق, وأول خلافة عمر-رضي الله تعالى عنه-طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر- رضي الله عنه-: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم" ، أخرجه مسلم في الصحيح، وثبت معناه من حديث بن عباس في قصة أبي ركانة عند أحمد بسند جيد, أنه طلقها بالثلاث فردها عليه النبي-صلى الله عليه وسلم-وجعلها واحدة ، فهذا هو الصواب فيما يقع من قول الرجل أنت طالق بالثلاث, أو بالستين, أو بالمائة, أو بالألف أو ما أشبه ذلك، هذا حكمه حكم الطلقة الواحدة على الصحيح فتكون هذه المرأة قد وقع عليها طلقتان إذا كان شعور المطلق معه وليس عنده الغضب السابق بل كان غضبه عادياً فإنه يقع عليها طلقتان، إذا كانت حاملاً, أو في طهر لم تجامعها فيه طلقتان، ويبقى لك واحدة ، وإذا كنت جامعتها بعد هذا فإن الجماع في معنى الرجعة فتكون في حبالك وفي عصمتك ويبقى لك واحدة, ولك الرجوع إليها ومباشرتها، وإن أشهدت شاهدين على الرجعة علاوة على الجماع هذا حسن؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن الجماع لا يكفي في الرجعة, وبعضهم لابد من النية مع نية الرجعة, فإذا أشهدت شاهدين أنك راجعتها, فالمدة قريبة شهر بعد جماعك لها, وبعد الطلقتين فالشهر قليل, ليس في الغالب حصول خروج عن العدة بل تحتاج إلى أكثر من ذلك في مرور ثلاث حيض عليها بعد الطلقة الثانية, فالحاصل أن رجعتها حصلت بجماع, وبقي لها طلقة ولك العود إليها والاتصال بها لأنها زوجتك، لكن إن أشهدت شاهدين عدلين على أنك راجعتها حرصاً على إتباع السنة فهذا أولى وأفضل؛ لأن الله أمر به-سبحانه وتعالى-في قوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ(الطلاق: من الآية2), فهذا اللفظ هذه الآية الكريمة تعم شهادة الطلاق, وشهادة الرجعة مع مراعاة ما تقدم في شأن الطلاق هل الغضب العادي أو الغضب الشديد الذي أفقدك شعورك أو قارب ذلك، ومع مراعاة أيضاً كونها في طهر جامعتها فيه أو في حيض أو في نفاس أما إذا كانت في حالة من هذه الأحوال الثلاث في حيض أو في نفاس أو في طهر جامعتها فيه وليس حاملاً فإن الطلاق لا يقع على ما حصل منك من شدة الغضب