موقف المسلم تجاه تراث الأمة

السؤال: ما موقف المسلم تجاه تراث الأمة فقهاً وعلماً؟ وبم تنصحون من يدعون إلى التخلي عنه والاعتماد فقط على القرآن والسنة كما يذكرون؟

الإجابة

الإجابة: إن هذه الأمة شرفها الله سبحانه وتعالى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال الكتاب المبين، وقد ترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب والسنة، وهما أصل العلم كله، ولكن بين النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أن أفهام الرجال متفاوتة في الكتاب والسنة، وبين الله ذلك وأحال إلى من كان من أهل الاستنباط وهم أولو الأمر في الشرع، فقد قال الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، ولم يقل: "لعلموه جميعاً"، فلو كان كل من يرجع فقط إلى الكتاب والسنة يعرف الحكم، لقال: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلموه"، لكن لم يقل الله ذلك، بل قال: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، وهؤلاء دائماً عددهم قليل، أهل الاستنباط دائماً عددهم يسير، فالذين وصلوا إلى الاجتهاد والاستنباط من الصحابة حسب عدِّ ابن حزم لم يتجاوزوا ثمانية عشر، وحسب عدِّ النسائي لم يتجاوزوا اثنين وعشرين أو واحداً وعشرين فقط.

ومن التابعين عدد يسير، وهكذا من أتباع التابعين، فلذلك لا يمكن أن تكون هذه الأمة بأجناسها المختلفة ولغاتها المتنوعة ومستوياتها المتباينة جميعاً من الذين يستنبطونه منهم، لا يمكن أن يتم هذا أبداً، ومن هنا لابد من الرجوع إلى ما وفق الله له أولي العلم من الراسخين في العلم الذين أحال الله إلى علمهم، وأحال إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أنهم ورثة الأنبياء، ومن أراد الاقتصار فقط على الكتاب والسنة لابد أن يصل إلى ترك بعضهما، لأنه إذا اقتصر على القرآن فقط من أين له الإسناد والجزم؟!! فلن يصل إلى التواتر في كل جزئيات القرآن قطعاً، فيبقى حينئذ مضطراً للتقليد في الجزئيات وبالأخص في طرق الأداء كما ذكرنا، ولذلك قال السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع:
................... *** والسبع قطعاً للتواتر انتمى وقيل إلا هيئة الأداء *** قيل وخلف اللفظ للقراء
وكذلك السنة سيضطر الإنسان إلى وجود أحاديث ظاهرها التعارض، ويبقى هو واقفاً لا يدري ما الحل، ويضطر للبحث في الناسخ والمنسوخ وهذا يحتاج إلى معرفة التاريخ أيهما السابق، ويضطر كذلك لما يتعلق بالترجيح فيما يتعلق بالنقل وعدالة الرواة ونحو ذلك، وهي أمور الإنسان فيها مقلد مضطر لتاريخ الأمة ولتراثها.

فالكتاب والسنة ما نقلهما إلينا إلا هذه الأمة المشرفة علماؤها وأئمتها، ولولا علماء هذه الأمة لما وصل إلينا الكتاب ولا السنة، نحن لم نلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نسمع من جبريل، ولم نسمع من رب العزة والجلال جل جلاله، نحن سمعنا من العصر الذي لقيناهم، وهم أمناء الله على ما أوصلوا إلينا من الوحي وهم ائتمنهم العصر الذي فوقهم، وأولئك ائتمنهم العصر الذي فوقهم حتى ينتهي الإسناد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا لابد أن يحترم الإنسان شيوخه جميعاً، وأن يعلم أن ما لديه من العلم إنما هو مروي عنهم وقد جاء عن طريقهم.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.