تفسير قوله إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَش

يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا))[النساء:48]؟

الإجابة

هذه الآية آية عظيمة، وهي آية محكمة أنزلت في أهل الشرك إذا ماتوا على الشرك، إذا مات المشرك لا يغفر له، أما إذا أسلم وتاب إلى الله يغفر، لكن إذا مات على الشرك فإنه لا يغفر له، لهذا قال سبحانه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) سورة النساء. يعني لا يغفر له ذنوبه يدخله بها النار كما قال في الآية الأخرى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) سورة المائدة. فالمشرك إذا مات على الشرك لا يغفر له، بل له النار أبد الآباد والجنة عليه حرام. قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) سورة الأنعام، فالمقصود أن الشرك هو أعظم الذنوب، وأقبح القبائح فمن مات عليه لم يتب لا يغفر له والجنة عليه حرام بنص هذه الآية، وهو قوله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ثم قال سبحانه: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. يعني ما دون الشرك من الذنوب كالزنا، والعقوق، والخمر، ونحو ذلك تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر لصاحبه يوم القيامة بأعمالٍ صالحة أخرى، وبحسناته الأخرى فضلاً من الله وجوداً وكرما وإن شاء عاقبه على قدر معاصيه التي مات عليها من عقوق ٍ للوالدين أو أحدهما أو شرب المسكر من الزنا من الغيبة وغير ذلك، ثم قال سبحانه:ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما. في الآية الأخيرة: وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116) سورة النساء. فالمشرك ضال ضلالاً بعيدا، وقد افترى على الله إثماً عظيماً، حين ظن أن الله يجيز هذا الشيء ويرضاه، وعبد الأنداد والأصنام من دون الله، يظن أن هذا مرضي لله، وهذا باطل، قد افترى على الله إثماً عظيماً بهذا الظن السيء، والخلاصة أن مات على الشرك لا يغفر له، والجنة عليه حرام، من عرب، وعجم ومن جنٍ وإنس، ومن مات على ما دون الشرك من المعاصي فهو تحت مشيئة لله، خلافاً للمعتزلة والخوارج ومن سار على مذهبهم من سائر المبتدعة، فإن الخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم يرون العاصي مخلداً في النار وأنه لا يغفر له، إذا مات على الزنا يرونه مخلداً في النار، أو الخمر يرونه مخلداً في النار، وهذا باطل، فهم تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له ومحى عنه سيئاته وادخله الجنة بتوحيده، بإسلامه وما عمله من الصالحات...، وإن شاء عذبه على قدر معصيته، يعذب في النار ما شاء الله، ثم يخرج من النار عند أهل السنة والجماعة، وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، يعذب ما شاء الله، قد تطول مدته وقد تقصر على حسب أعماله السيئة، ثم يخرج من النار، لا يخلد في النار، لا يخلد في النار إلا المشركون والكفرة، أما العاصي الموحد المسلم لا يخلد في النار إذا دخلها، يعذب على قدر معاصيه التي مات عليها لم يتب، ثم يخرجه الله من النار، إلى الجنة عند أهل الحق، عند أهل السنة والجماعة، بإجماع أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، ومن سار على منهجهم من الإباظية المقصود أن هذا القول باطل وأن العاصي المسلم الموحد تحت مشيئة الله لا يكفر ولا يخلد في النار. الخوارج يقولون: كافر، إذا زنا كفر، إذا سرق كفر، إذا شرب الخمر كفر، هذا باطل، هذه معاصي وليس بكافر، لكن إيمانه ضعيف؛ ولهذا جاء في الحديث أنه عليه السلام أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن-يعني إيمان كامل-، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، يعني إيماناً كاملاً، عنده أصل الإيمان لكنه عاصي، إيمانه ضعيف وبهذا نفي عنه كماله، بدليل أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحكم على الزاني بالردة، ولا على السارق، بل جاء بنص القرآن أن الزاني يجلد مائة جلدة يعني إذا كان بكراً، والزانية كذلك، وإذا كان الزاني محصناً، فإنه يرجم بما صحت به السنة ونزل به القرآن نسخ لفظه وبقي حكمه، وجلد حداً، ورجم حداً، وصلى عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رجموا والسارق تقطع يده وليس بالكافر، ولو كان كافر يقتل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من بدل دينه فاقتله). إذا كان السارق كافر كان قتل ما قطعت يده، هكذا شارب الخمر لو كان كافراً قتل، ولكن يجلد أربعين جلدة كما رآها عمر رضي الله عنه والصحابة جعلها ثمانين، يجلد ثمانين جلدة، فقول الخوارج والمعتزلة من أبطل الباطل، فليس بكافر العاصي إذا كان موحداً يعبد الله وحده وليس عنده نقض من نواقض الإسلام، وليس بمخلد في النار إذا مات على معصية، وهو موحد مسلم، ولكنه إذا لم يعفو الله عنه يعاقب على قدر ذنبه حسب حكمة الله ومشيئته سبحانه وتعالى، ثم يخرجه الله من النار بعد التطهير، والتمحيص إلى الجنة، ولا يخلد في النار إلا الكفار، لا يخلد في النار إلا الكفار الذين حكم الشرع بكفرهم، وخروجهم من الإسلام، أو ارتدوا بعد الإسلام، ارتدوا عن الإسلام وصاروا كفاراً، هؤلاء يخلدون في النار بإجماع المسلمين علماء، كما قال الله في حقهم وأشباههم: وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) سورة البقرة. وقال فيهم سبحانه: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37) سورة المائدة. وقال في حقهم: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) سورة البقرة. هذا هو الحق، هذه المسألة مهمة عظمية يجب على من كان عنده شيء من الإشكال أن يعتني بهذا المقال، وأن يعرف حقيقة مذهب أهل السنة والجماعة، وأن يحذر قول الخوارج والمعتزلة ومن سار على منهجهم من أهل الباطل، الذين يقولون أن العاصي كافر، كالزاني ونحوه، أو يقولون أنه مخلد في النار، كل هذا باطل، فالعاصي المسلم الموحد ليس بكافر، وليس مخلداً في النار، ولكن إن دخلها يعذب على قدر جريمته، ثم يخرج منها إلى الجنة كما تواترت في ذلك الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وغيرهما أنه يشفع في العصاة عدة شفاعات، فيخرج الله من النار أقواماً كثيرين قد امتحشوا، قد احترقوا يخرجهم الله؛ بشفاعته -عليه الصلاة والسلام-، ويخرج الله أيضاً من النار بشفاعة الملائكة والأنبياء الآخرين والرسل والمؤمنين والأقطاب، يخرج الله جماً غفيراً من النار بالشفاعة، ولا يبقى في النار موحد، وبعد الشفاعات يقول جل وعلا: شفع الأنبياء وشفعة الملائكة وشفع المؤمنون ولم يبق إلا رحمة ارحم الراحمين فيخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة أحد، يخرجهم من النار سبحانه؛ لأنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، كانوا موجودين مسلمين دخلوا النار بمعاصيهم، فلما عوقبوا بقدر معاصيهم أخرجهم الله من النار بتوحيدهم وإسلامهم وسلامتهم من الشرك، هذا هو القول الحق من أهل السنة والجماعة وهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا من أتباعهم بإحسان، فالواجب على كل مؤمن، وكل طالب علم أن يعتني بهذا المقام حتى يبصر الناس وحتى يوضح لهم بطلان قول المبتعدة من الخروج والمعتزلة في هذا الباب، ومن سار على نهجهم الباطل، نسأل الله للجميع الهداية.