حكم قول (بأبي أنت وأمي) للرجل الصالح

السؤال: ياشيخنا الفاضل: أحد الإخوة -هداه الله- سمعته يقول لرجل صالح -عالم متأثر به كثيراً-: بأبي وأمي هو هذا الشيخ. قلت له: ما يجوز هذا الكلام إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو كان هذا الرجل صالحاً. لكنه أنكر عليَّ قولي هذا وطلب دليلاً شرعيّاً قلت: حديث "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" لكنه لم يقتنع؛ لهذا أريد أن أتأكد من سماحتكم، مع ذكر الأدلة -حفظكم الله- حتى يتبين الحق.

الإجابة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد ذهب جماهير العلماء إلى جواز التَّفدِيَةِ بالأبوين لغير النبيِّ وهو الصحيح، واحتجوا بأدلة كثيرة؛ منها حديث علي بن أبي طالب في "الصحيحين" قال: "ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي بأبويه أحداً إلا سعداً؛ فإني سمعته يقول يوم أُحُد: "ارم سعد فداك أبي وأمي".

وحديث عبد الله بن الزبير عن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم"، فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: "فداك أبي وأمي" (متفق عليه).

والمراد من قول: "فداك أبي وأمي": أن أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك، وهي من الألفاظ الشائعة عند العرب، وليس بفداء حقيقة وإنما هو بِرٌّ وإعلام بمحبته ومنزلته عنده.

قال الإمام النووي: "فيه جواز التفدية بالأبوين، وبه قال جماهير العلماء، وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري، وكرهه بعضهم في التَّفْدِيَة بالمسلم من أبويه، والصحيح الجواز مطلقاً؛ لأنه ليس فيه حقيقة فداء، وإنما هوكلام وألطاف وإعلام بمحبته له ومنزلته، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالتفدية مطلقاً".

وقال الخلال: "قال ابن منصور لأبي عبد الله: "يُكرَه أن يقول الرجل للرجل: فداك أبي وأمي؟ قال: أكره أن يقول جعلني الله فداك, ولا بأس أن يقول فداك أبي وأمي".

وقد استعمل هذا اللفظ الصحابة والتابعون فيما بينهم؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "قال أبو بكر الصديق يوم أُحُد: كُنْ طَلْحَةَ فداك أبي وأمي".

وعن علقمة قال: "قرأت على عبد لله فقال: رَتِّل فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن. قال الحافظ في "الفتح": "وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم، وجزم بجواز ذلك، فقال: للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم، ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يُثَابُ عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظوراً لنهى النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره".

وعليه؛ فيجوز استعمال لفظ (بأبي وأمي)، ولا فرق بينه وبين (فداك أبي وأمي)،، والله أعلم.