حكم تقبيل الرجل زوجته وهو صائم

السؤال: يسأل رجل عن تقبيل الرجل لزوجه في نهار رمضان. ويقول: إنه فيما سبق كان يقبلها أحيانا، فسمع أخيرا من شيخ من مشايخ أهل العلم أن ذلك لا يجوز، وأشكل عليه الأمر. ويطلب الجواب عن ذلك.

الإجابة

الإجابة: تقبيل الصائم لزوجه مكروه إذا كانت القُبلة تحرك شهوته. فإن قَبَّل ولم يخرج منه شيء -مذي أو مني- فلا شيء عليه؛ ويستدل لذلك بما رواه البخاري ومسلم (1) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإرْبه". وبما رواه النسائي (2) من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أهوى إلي النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني. فقلت: إني صائمة فقال: "وأنا صائم".

فإن قيل: هذا خاص به عليه الصلاة والسلام. قلنا: ليس خاصًّا به عليه الصلاة والسلام؛ بدليل ما رواه مسلم في (صحيحه) (3) عن عمر ابن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال له: "سل هذه"، -لأُمه- فأخبرَتْه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال له: "أَمَا والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له"، قال المجد في (المنتقى) (4): وفيه -أي في هذا الحديث- أن أفعاله صلى الله عليه وسلم حجة. قال النووي: لا خلاف في أن القبلة لا تبطل الصوم إلا إذا أنزل. وقال الموفق ابن قدامة في (المغني) (5): لا نعلم فيه خلافا. قال: وأما ما روي عن ابن مسعود أنه كان يقول في القبلة قولا شديدا -يعني: يصوم يوما مكانه- فقال ابن القيم في (تهذيب سنن أبي داود) (6): قال البيهقي: هذا محمول على ما إذا أَنزل. وهذا التفسير من بعض الرواة لا من قول ابن مسعود.أ.ه.

فإن حركت القُبلة شهوته فأنزل مَنِيًّا، أفطر بذلك. قال ابن قدامة (7): بغير خلاف نعلمه. وأشار إلى أن في قول عائشة: وكان أملككم لإِربه. إيماء إلى ذلك.

فإن أمذى، ففيه خلاف مشهور بين العلماء: قال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر بالمذي. وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي. وذهب الإمام أحمد إلى أن ذلك يفطره؛ قال أبو داود في (مسائل) الإمام أحمد (8): سئل عن الصائم يقبل فيمذي؟ قال: يقضي يوما مكانه. وبه قال الإمام مالك بن أنس.

فأما الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه (9) عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان. فقال: "قد أفطرا"، فهذا حديث ضعيف. قال ابن القيم في (زاد المعاد) (10): لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه أبو يزيد الضِّنِّي، رواه عن ميمونة، وهي بنت سعد. قال الدارقطني: ليس بمعروف، ولا يثبت هذا. وقال البخاري: هذا الحديث منكر، وأبو يزيد رجل مجهول.

وأما الحديث الذي فيه التفرقة بين الشاب والشيخ، فقال ابن القيم (11): لم يجئ من وجه يثبت، ولا يصح عنه صلى الله عليه وسلم التفريق بين الشاب والشيخ. قال: وأجود ما في الباب حديث أبي داود (12) عن نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغرّ عن أبي هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخص له. وأتاه آخر فسأله، فنهاه. فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب. وإسرائيل وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به، وبقية الستة، فَعِلَّةُ هذا الحديث أن -بينه وبين الأغر- فيه أبا العنبس العدوي الكوفي، واسمه الحارث بن عُبيد، سكتوا عنه. انتهى كلام ابن القيم.

▪ والحاصل: أن الصائم إذا قبل زوجته فليس عليه شيء، إلاّ إذا خرج منه المني؛ فإنه يفسد صومه، ويقضي يوما مكانه بغير خلاف. وأما إذا خرج منه المذي؛ ففيه خلاف. والراجح أنه يفسد صومه، ويقضي يوما مكانه.

والأولى عدم تقبيل الصائم زوجه؛ لأن من فعله فقد تعرض لفساد صومه. والمشهور من المذهب لدى الحنابلة أن صومه يَفْسُد إذا قَبَّلَ، أو لمس زوجته فأمذى. وهو الصحيح من المذهب. نص عليه الإمام أحمد، وعليه أكثر الأصحاب، والله أعلم.

___________________________________________

1 - البخاري (1927)، ومسلم (1106).
2 - النسائي في (العشرة) (245).
3 - مسلم (1108).
4 - (4/ 211).
5 - (4/ 360).
6 - (3/ 264).
7 - انظر (المغني) (4/ 361).
8 - ص (92).
9 - أخرجه ابن ماجه (1686)، وأحمد (6/ 463).
10 - (2/58).
11 - (زاد المعاد) (2/ 58).
12 - أخرجه أبو داود (2387).