شروط التوبة من أكل المال الحرام

السؤال: أنا كنت أعمل في شركة أجنبية عالمية -غير مسلمة-، بالفرع الموجود في بلدي لها, وجاء مشروع لنا بالخارج؛ وترشحتُ له مع أربعة من زملائي؛ بالفعل سافرنا؛ وللأسف هناك اتفقنا مع صاحب الفندق المقيمين به أن ندفع له في الليلة مثلاً -عشرة جنيهات-، ولكن يكتبها في الفاتورة الرسمية المقدمة للشركة -خمسة عشر جنيهاً- ونأخذ الفرق لنا؛ وبالفعل تحصلنا على مبلغ كبير من هذا, ومرَّ ثلاثة سنوات على هذا, أنا الآن عرفت طريق الحق والهداية، وأريد أن أتوب من هذا الذنب، مع العلم أنني تركت الشركة من فترة كبيرة ولكن زملائي ما زالوا بها، وأريد منكم إرشادي للخروج من هذا، مع العلم أن إعادة المبلغ للشركة شبه مستحيل؛ لأنها شركة عالمية، ولابد أن يكون لأي نقود تورَّد لها صفة أو فواتير, كما أنه سيكون فيه ضرر كبير لزملائي الذين ما زالوا يعملون بها، وما حالي من زملائي، هل لابد من توبتهم هم أيضاً حتى يقبل الله توبتي؛ حيث إنهم مشاركون لي في هذا الذنب؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله الذي وفقك للتوبة، واللهََ نسألُ أن يتقبل توبتك، ويثبتك على الحق، واعلم أن أخذ أموال الناس بغير حق إثمٌ عظيمٌ، وذنبٌ جسيمٌ، يوجب على صاحبه التوبة إلى الله توبة نصوحاً، والاستغفار والندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]، وقال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:39]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

وباب التوبة مفتوح أمام العبد، ما لم يُغرغر، أو تطلع الشمس من مغربها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (رواه أحمد وأبو داود) من حديث ابن عمر.

كما يجب ردِّ المَظالِم والحقوق إلى أهلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه؛ فحمل عليه" (أخرجه البخاري)، (وروى أحمد، وأصحاب السنن، وصححه الحاكم): أنَّ رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيه".

وعليه فيجب عليك ردِّ ما أخذته من تلك الشركة، ولو بطريقة غير مباشرة، وأن تبذل في سبيل ذلك كل ما تقدر عليه وانجُّ بنفسك، ولا تتعذَّر بزملائك، هذا إن كنت تعلم مقدار المال الذي أخذته، وأما إن كنت لا تعلم مقدار ما أخذت، فاعمل بغلبة الظن مع الاحتياط، فإن كنت شاكاًّ هل أخذت ألفاً، أو ألفاً ومئة؟ فاجعلها ألفاً ومئة احتياطاً، وأَكْثِرْ من الأعمال الصالحة؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:14]، ومن أمثلة الطرق غير المباشرة: أن تعمل عملاً لهذه الشركة بأجر يكافئ ماأخذت منهم، ولا تأخذ أجرًا على ذلك، وهكذا.

وأما زملاؤك فيجب عليك نصحهم، فإن تابوا وأعادوا الحقوق للشركة كما أعدتها، فهذا من فضل الله عليك وعليهم، وإن أصرُّوا على فعلهم فيجب عليك إخبار مدير الشركة؛ حتى لاتكون معينًا لهم على الإثم والعدوان؛ بالسكوت على باطلهم، ولأن في ذلك غشًّا للشركة ومالكيها، ولأن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب، والندم على مافات، وهذا لايتم مع ممارسة زملائك لهذا المنكر سابقًا وربما لاحقًا، وأنت تعلم ذلك، فاجتهد -حفظك الله- في حَثهم على التوبة، وتَرك أكل أموال الناس بالباطل، ورد الحق إلى أهله، وتخويفهم عقوبة الله تعالى إذا هم تمادوا في ذلك، ومما يساعدك على إقناعهم جلب بعض الأشرطة المؤثِّرة، والكتيبات التي تتناول أهمية التوبة، ورد المظالم إلى أهلها،، والله أعلم.



منقول من موقع الآلوكة.