حكم الإسبال في الثياب

إنني شاب طائع لله ورسوله بكل شيء، وأحافظ على الصلوات ولله الحمد، لكن يكون بعض الثياب التي ألبسها طويلة تحت الكعبين، فهل أكون من الذين لا ينظر الله إليهم ومن أهل النار؛ لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ما أسفل الكعبين ففي النار)، وهل لا يقبل الله الصلوات التي يصلي بها الإنسان وثوبه طويل؛ لأنني سمعت حديثاً عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (لا يقبل الله صلاة رجل مسبلٍ إزاره)؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً، وأرجو أن يكون بتفصيل واضح.

الإجابة

الإسبال من المحرمات ومن المنكرات، وهو نزول الملابس على الكعبين، يقال له: إسبال، كالبشت والقميص والإزار والسراويل، كل هذا لا يجوز أن ينزل عن الكعبين، للحديث الذي ذكرت، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار)، وإذا كان عن تكبر وعن خيلاء صار أشد في الإثم وأعظم، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)، رواه مسلم في صحيحه، فالواجب التحفظ من ذلك، وأن تكون الملابس حدها الكعب لا تنزل، وأن تحذر من الكبر والخيلاء أيضاً، في جميع أحوالك، وفي ملابسك. أما الحديث الذي ذكرته في عدم قبول الصلاة فهو حديث فيه ضعف، وإن صححه النووي أو حسنه فهو حديث ضعيف لأن في إسناده مدلساً وقد عنعن، وفي إسناده من هو مجهول. فالحاصل أن الوعيد بعدم قبول الصلاة لو صح فهو دليل على شدة التحريم، وأنه ينبغي للمؤمن أن يحذر الإسبال، وهو من باب الوعيد، والوعيد قد يعفو الله عن صاحبه، وقد ينفذ عليه وعيده، فالمسلم المصلي على خطر إذا خالف الأوامر ووقع في النواهي، فالواجب عليه ألا يرتكب المحظور، وألا يترك المأمور، وقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر المسبل أن يتوضأ، يعيد الوضوء، ولكن لم يأمره أن يعيد الصلاة، وهذا لو صح لكان من باب التحذير، ومن باب الترهيب، وفيه العلة التي سمعت، فالصواب أن صلاته صحيحة، وأنه أخطأ في إسباله، ولكن لا تلزمه الإعادة، إنما هو صحيح، مثل بقية المعاصي، لو صلى وفي ثوبه درهم من حرام، أو في ثوب مغصوب، أو في أرض مغصوبة، فالصواب أن صلاته صحيحة، لأن الإثم يتعلق بالغصب لا بالصلاة، وهو أمر منهي عنه مطلقاً في الصلاة وخارجها، فإذا صلى في ثوب مغصوب، أو أرض مغصوبة، أو ثوب فيه درهم من حرام، صحت الصلاة مع الإثم، هو آثم لأجل تعاطيه ما حرم الله عليه من الغصب، والكسب الحرام، ولكن الصلاة صحيحة، لأن هذا لا يتعلق بالصلاة، يتعلق بموضوع تعاطيه ما حرم الله عليه، من الغصب والكسب الحرام، وهكذا لو صلى في ثوب فيه نجاسة ناسياً لها أو جاهلاً بها حتى فرغ من صلاته، صحت صلاته، كما ثبت في حديث أبي سعيد عند أحمد أو أبي داود بإسناد صحيح: (أنه صلى -عليه الصلاة والسلام- ذات يوم، ثم خلع نعليه وهو في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، فلما سلم سألهم عن ذلك، فقالوا: رأيناك خلعت نعليك، فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبرائيل أتاني فأخبرني بأن بهما قذراًَ، فخلعتهما، فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه أو قال: فليقلب نعليه، فإن رأى فيهما قذراً فليمسحه ثم يصلي فيهما). ولم يعد الصلاة -عليه الصلاة والسلام-، ولم يستأنفها، بل استمر فيها، فدل ذلك على من أن من وجد في ثوبه شيئاً ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، وإن علم في أثنائها وخلعه فصلاته صحيحة كما خلع النبي -صلى الله عليه وسلم- نعليه. فالمؤمن يتحفظ ويحرص على أن يكون سليم الثياب من النجاسة، سليم البقعة، سليم البدن، ولكن متى نسي شيئاً من النجاسة حتى فرغ من صلاته أو جهل ذلك فصلاته صحيحة، بخلاف الحدث، لو صلى محدثاً فإنه يعيد، لو صلى يحسب أنه على وضوء، ثم تبين أنه على غير وضوء، فإنه تلزمه الإعادة، وهكذا لو صلى جنب يحسب أنه مغتسل ثم بان له أنه لم يغتسل أعاد، لأن الطهارة لابد منها، شرط في الصلاة، الطهارة من الأحداث شرط في الصلاة، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لا تقبل صلاة بغير طهور)، بحلاف النجاسة في الثوب أو البدن أو البقعة فإنها أسهل إذا نسيها أو جهلها، للحديث الذي عرفته حديث أبي سعيد في قصة نعلي النبي -صلى الله عليه وسلم- وما حصل فيهما من القذر.