النية للصيام

السؤال: هل يلزم الصائم أن ينوي صيام رمضان ومتى تكون النيّة؟ وهل يُجدّد النِّية لكل يوم من رمضان أم تكفيه نية واحدة لكل الشهر؟

الإجابة

الإجابة: النية ركن من أركان الصيام لا يكون الصيام ولا يصح إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" [1]، فيلزم كل من أراد أن يصوم رمضان أن ينوي صيام رمضان.
وفي وقت عقد النِّية بالصيام قال العلماء:
1- ينوي قبل طلوع الفجر في كل صيام واجب ، كصيام رمضان وصيام القضاء والكفارة والنذر، وهذا معنى التبييت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" [2]، هذا ما ذهب إليه الجمهور، وحُكيَّ عن زفر من الحنفية وعن عطاء ومجاهد أنهم قالوا: "يصحّ صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية"، وقد احتج زفر لهذا الرأي بأنه: "لا يصحّ فيه غير صوم رمضان لتعيّنه، فلا يفتقر إلى نية؛ لأن الزمن معيار له، فلا يتصوّر في يوم واحد إلا صوم واحد".
وهذا رأي مردود من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الرأي يقتضي تصحيح صوم المغمى عليه في رمضان إذا لم يأكل ويشرب؛ لوجود الإمساك من غير نية، وهذا "أمر مستشنع" كما وصفه أبو بكر الرازي من الحنفية [3].
الوجه الثاني: أن هذا الرأي مخالف للنص الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبيّن فيه أنه لا يصح الصوم إلا بالنية، وما خالف النص من الرأي مردود إذ لا اجتهاد مع النص، ولا حظ للنظر مع الأثر.
إِذَاً: يشترط في صيام رمضان وكل صيام واجب النية من الليل، وتصح النية إذا نوى في أي جزء من الليل من الغروب إلى طلوع الفجر.

2- أجاز المالكية وبعض الشافعية عقد نية الصيام مع طلوع الفجر؛ لأنه عبادة، والعبادات تجوز بنية تقارن ابتداءها، كذلك الصيام [4].
وهذا وجه صحيح في حالة نسيان عقد النية قبل طلوع الفجر أو الغفلة عنها في جزء من الليل، في هذه الحالة يصحّ الصوم بنية عُقدت مع طلوع الفجر.
وذهب الشوكاني إلى أن من لم يتبين له وجوب الصوم إلا بعد دخول النهار كان عذراً له عن التبييت [5].

أما في صيام التطوع:
فلا يشترط النية قبل طلوع الفجر، بل صحّ مع نية بعد طلوع الفجر.
قال العلماء:
1- يجوز صيام التطوع بنيّة بعد طلوع الفجر وقبل الزوال، شريطة أن لا يأكل شيئاً، فإن أكل شيئاً ثم نوى لم يصحّ صومه، وهذا قول الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة وهو قول ابن عباس وعلي وابن مسعود وحذيفة وأنس بن مالك وأبي الدرداء وأبي طلحة رضي الله عنهم [6]، وحجتهم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: "يا عائشة! هل عندكم شئ؟" قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شئ، قال: "فإني صائم" [7].
وعند ابن أبي شيبة عنها قالت: "ربما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدائه فلا يجده فيفرض عليه الصوم ذلك اليوم" [8].
2- وقال مالك وداود: لا يجوز صيام التطوع إلا بنية من الليل، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" [9]، ولم يخص صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فرضاً ولا سنة من نفل، وهو قول ابن عمر وحفصة رضي الله عنهم [10].
والصحيح: جواز نيّة صيام التطوع بالنهار وقبل الزوال؛ لأن عموم حديث: "من لم يبيّت الصيام" قد خصصه حديث عائشة: "هل عندكم شئ؟ إِذَاً فإني صائم".
ولا يشترط في عقد النِّية التلفظ بها، بل تتحقق النِّية بالقصد والعزم في القلب دون اللفظ باللسان، أو بما يدلّ على القصد والعزم؛ فمن تسحر ليصوم الغد فقد نوى، وإن استحب الشافعية التلفظ بالنِّية.

وهل يشترط أن ينوي الصائم ليلة كل يوم من رمضان؟
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية: يحتاج صوم كل يوم من رمضان إلى نيّة.
وقال مالك والليث بن سعد وإسحاق بن راهوية وأحمد في الرواية الثانية: من بيّت الصيام أول ليلة من رمضان أجزأه ذلك عن سائر الشهر؛ لأن من كان شأنه صيام يوم من الأيام لا يدعه فإنه لا يحتاج إلى التبييت، وهو الصحيح: لأنه صيام متصل لا يجوز قطعه إلا لعذر، ولأن حديث: "من لم يبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" فيه جواز صيام الشهر كله بنية جامعة، والألف واللام في "الصيام" للعهد، والمعهود صيام شهر رمضان، وقد سيق الحديث لأجله، والله أعلم.
[1] أخرجه البخاري كتاب الوحي باب كيف كان بدأ الوحي برقم 1، ج1 ص 3، ومسلم في باب إنما الأعمال بالنية 3/1515.
[2] أخرجه مالك في الموطأ 1/288، والبيهقي في السنن الكبرى 4/203، والدار قطني 2/172، وأحمد في المسند 6/287، والترمذي بلفظ "من لم يجمع" في كتاب الصيام برقم (730)، وابن ماجة في الصيام برقم (1700) بلفظ: "لا صيام لمن لم يفرضه من الليل"، وصححه ابن خزيمة في صحيحه 3/212، وابن حبان، والحاكم وابن حزم في المحلى 6/162، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير 6/222، والنووي في المجموع 6/293.
[3] انظر: فتح الباري 4/169، حاشية ابن عابدين 2/87، وهذا الوجه هو الذي ردّ به أبو بكر الرازي على زفر.
[4] انظر: الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 1/695، المهذب للشيرازي مع المجموع 6/292.
[5] الدراري المضيئة شرح الدرر البهية للشوكاني 1/379.
[6] راجع: المصنف لابن أبي شيبة 3/31، صحيح البخاري بشرح فتح الباري 4/167، الاستذكار لابن عبد البر 10/37، المغني لابن قدامة 3/27، المجموع شرح المهذب 6/297.
[7] أخرجه مسلم في كتاب الصيام برقم (2707)، والترمذي في كتاب الصيام برقم (733).
[8] مصنف ابن أبي شيبة 3/31.
[9] سبق تخريجه.
[10] انظر: الاستذكار 10/37، الشرح الصغير 1/695، المغني لابن قدامة 3/29-30.