الحلقة والخيط والوهن في حديث عمران بن حصين

عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة‍؛ فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك، ما أفلحت أبداً، وأيضاً أسمع أن من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه، فما معنى الحلقة والخيط والوهن، وما هو الشرك؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد: فهذا الحديث الذي ذكره السائل هو حديث عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي رضي الله عنه عن أبيه رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند بإسناد جيد، ورواه غيره أن رجلاً كان في يده حلقة علقها من أجل الواهنة، من أجل مرض يقال له الواهنة، والمرض يأكل باليد من المنكب، يحصل له فيها ضغف، فكانت الجاهلية تعلق هذه الحلقة تزعم أنها تنفع من هذا المرض، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-لما رآها على هذا الرجل، وفي رواية أنه رآها على عمران نفسه، (انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)، فقوله:(انزعها) يعني أزلها وقال: (فإنها لاتزيدك إلا وهناً) يدل على أن هذه العلاجات الغير المشروعة لا تزيد صاحبها إلا وهناً إلا مرضاً وشر على شره (فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً)، وما ذاك إلا لأنها نوع من التمائم التي يعلقها الجهلة، وهي نوع من الشرك لأنها تعلق القلوب على غير الله وتلفتها إلى غير الله، فلهذا أنكر الشارع ونهى عنها، ولهذا يقول - صلى الله عليه وسلم-: (من تعلق تميمة فلا أتم الله، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك)، والتمائم هي ما يعلق على الأولاد وعلى المرضى من ودع أو طلاسم أو عظام أو غير هذا مما يعلقه الجهلة يزعمون أنها تشفي المريض وأنها تمنعه من الجن أو من العين فكل هذا باطل لا يجوز فعله وهو من الشرك الأصغر، وما ذاك إلا لأنها تعلق القلوب على غير الله، وتجعلها في إعراض وغفلة عن الله عز وجل، والواجب تعليق القلوب بالله وحده وطلب الشفاء منه سبحانه وتعالى والضراعة إليه في طلب الشفاء، لأن المالك لكل شيء وهو النافع الضار وبيده الشفاء سبحانه وتعالى، فلهذا شرع الله عز وجل ترك هذه التعاليق وشرع النهي عنها حتى تجتمع القلوب على الله، وعلى الإخلاص له والتوكل عليه وسؤاله الشفاء سبحانه وتعالى دون كل ما سواه، فلا يجوز للمسلم أن يعلق حلقة من حديد ولا من صفر ولا من ذهب ولا من غير ذلك لقصد الشفاء أو منع ضرر ونحو ذلك، ومن هذه الأسورة الجميلة التي يستعملها بعض الناس المعدنية هي من جنس هذا يجب منعها يقول بعضهم أنها تمنع من الرومتزم وهذا لا وجه له، فيجب منعها كالحلقة التي علقها عمران، وهكذا ما يعلق من عظام أو من شعر الذئب أو من ودعة أو من طلاسم وأشياء مجهولة كل هذا يجب منعه وكله داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم- : (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له)، ولما دخل حذيفة على رجل مريض فوجده قد علق خيطاً قال ما هذا؟ قال: من الحمى، فقطعه وتلا قوله تعالى:وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فلا يجوز أن يعلق خيوطاً ولا حلقات ولا تمائم ولا غير ذلك، بل يجب أن يبتعد عن هذه الأمور التي كانت تعتادها الجاهلية ويلتزم بأمر الإسلام الذي فيه الهدى والنور وفيه الصلاح والإصلاح وفيه العاقبة الحميدة والله ولي التوفيق. أيضاً في سؤاله يسأل عن معنى الشرك؟ الشرك شركان أكبر وأصغر، فالشرك الذي يكون بسبب تعليق التميمة والحلقة شرك أصغر لأنه يصرف القلوب إلى غير الله ويعلقها بغير الله فصار شركاً من هذه الحيثية، وهو من أسباب الغفلة عن الله وعدم كمال التوكل عليه سبحانه وتعالى فصار هذا نوعاً من الشرك، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من تعلق تميمة فقد أشرك)، يعني قد صرف شعبة من قلبه لغير الله، والواجب إخلاص العبادة لله وحده والتعلق عليه سبحانه وتعالى، والواجب التوكل عليه أيضاً جل وعلا وأن يكون قلبك معلقاً بالله ترجو رحمته وتخشى عقابه وتسأله من فضله وترجو منه الشفاء سبحانه وتعالى، أما الأدوية العادية المباحة فلا بأس بها، الدواء بمأكول أو مشروب أو بشيء مباح من الحبوب أو من الإبر أو من الضمادات أو غيرها كل هذا لا بأس به، أما تعليق التمائم وهي الأشياء المكتوبة في قراطيس أو رقع أو تعليق قطعة من الحديد أو من الصفر أو من الذهب أو من الفضة أو ما أشبه ذلك، هذا هو الذي ينهى عنه، ويعتبر تميمة ويعتبر من الشرك، وأما الأدوية المعروفة المباحة من مشروب أو مأكول أو ضماد أو أمور تؤكل أو إبر تضرب أو ما أشبه ذلك، هذه كلها إذا عرف أنها تنفع لا بأس بذلك ولا تدخل في هذا الباب.