التنجيم

السؤال: عرفنا أن السلف كانوا يستعينون بالنجوم "موافقة زمنية" ليعرفوا أوقات الزرع والحصاد، والحر والبرد، وحالياً المد والجزر، والخسوف، وذلك من عادات ومشاهدات قديمة متوارثة، ولكن إذا قال قائل أو ادعى مدعٍ أن عمل السلف كان يجوز أن يقال إن النجم إذا كان كذا، فإن المولود سيكون ذكراً مثلاً، أو أنه سيكون ذكياً أو خجولاً أو عصبياً... إلخ، وادعى أن كل ذلك على أساس موافقة زمنية لا غير، وشبه فعله هذا بفعل السلف، وبأن ذلك من مشاهدات وتجارب، لا ادعاء للغيب، فكيف يكون الرد عليه حفظكم الله؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، النجوم من آيات الله السماوية، قال سبحانه وتعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون} [الأنعام: 97]، وقال سبحانه: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16]، فهو سبحانه وتعالى خلق النجوم لثلاثٍ: زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها، وهي مع ذلك من أعظم آيات الله الدالة على قدرته وحكمته ورحمته، فالاستدلال بالنجوم على معرفة الجهات ومن ذلك الاستدلال بها على القبلة أمر مشروع، وهو ثابت لا يختلف، والله تعالى قد امتن في ذلك على عباده كما في الآيتين المتقدمتين.

وعلم النجوم الذي يقال له التنجيم نوعان: علم تسيير، وعلم تأثير.
فأما علم التسيير فهو معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات، وهذه الدلالات لا تختلف من شخص لآخر، فهي سنن كونية قدرها الله سبحانه وتعالى كما قدر سير الشمس والقمر لمعرفة حساب الزمان، قال تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} [يونس: 5].
وأما علم التأثير فهو التنجيم المنكر الذي هو ضرب من السحر، كما في الحديث الصحيح: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" (أبو داود: 3905)، ولكنه قال: "علماً" بدل "شعبة"، وكذلك رواه ابن ماجة: 3726، وكذلك الإمام أحمد: 2000 بلفظ: "ما اقتبس رجل علماً من النجوم إلا اقتبس بها شعبة من السحر، ما زاد زاد"، وقال محققه إسناده صحيح، وقد حسنه الألباني.

والمنجم الذي يستدل بحركة النجوم وبمواقع النجوم على الحوادث الأرضية والسُعد والنُحس هو من جنس العراف بل هو عراف، وفي الحديث الصحيح: "من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" (الترمذي: 135، وأبوداود: 3904، وابن ماجه: 639، وقال الألباني صحيح)، لأن الكاهن والعراف يدَّعي بما يدعيه علم الغيب، ثم إذا قال المنجم إن المولود إذا ولد في نجم كذا يحصل له سعد أو نحس، أو أن ذلك علامة على سعادته أو شقاوته، فذلك من الرجم بالغيب، ولا يمكن أن يعرف ذلك بالتجربة، فإنه يولد في الوقت الواحد ويحدث في الوقت الواحد أنواع من الأضداد، فيحدث في الوقت الخير والشر، ويولد في النجم الواحد من يكون سعيداً ومن يكون شقياً ومن يكون صالحاً ومن يكون فاسداً.

وعلى هذا فما أراده السائل من جواز التنجيم المحرم قياساً على التنجيم الذي هو علم التسيير هو من أبطل القياس، فهو قياس الباطل على الحق والكذب على الصدق، فيجب الحذر من سؤال المنجمين وتصديقهم، فإن ذلك لا يكون من بصير بدينه، بل ولا من عاقل يدرك الحقائق، ولهذا فعملاء المنجمين وأهل بضاعتهم هم من الجهلة، من الذين لا يفكرون بعقلوهم، وليس لهم معرفة بما يقتضيه شرع الله من تحريم سؤال العرافين والكهان والمنجمين، نسأل الله أن يطهر مجتمعات المسلمين من جميع فئات المفسدين، والله أعلم.