حكم قراءة الفاتحة على قبور الأولياء

السؤال: ما حكم من يزور القبور ثم يقرأ الفاتحة، وخاصة على قبور الأولياء كما يسمونهم في بعض البلاد العربية المجاورة، بالرغم أن بعضهم يقول: "لا أريد الشرك، ولكن إذا لم أقم بزيارة هذا الولي فإنه يأتي إليَّ في المنام، ويقول لي: لماذا لم تزرني؟" فما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

الإجابة: يسن للرجال من المسلمين زيارة القبور كما شرعه الله سبحانه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" (خرجه الإمام مسلم في صحيحه)، وروى مسلم في صحيحه أيضاً عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان إذا زار القبور يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد".

ولم يكن حال الزيارة عليه الصلاة والسلام يقرأ سورة الفاتحة ولا غيرها من القرآن، فقراءتها وقت الزيارة بدعة، وهكذا قراءة غيرها من القرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (متفق على صحته)، وفي رواية مسلم رحمه الله يقول صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، وأخرجه النسائي وزاد: "وكل ضلالة في النار"، فالواجب على المسلمين التقيد بالشرع المطهر والحذر من البدع في زيارة القبور وغيرها.

والزيارة مشروعة لقبور المسلمين جميعاً، سواء سموا أولياء أم لم يسموا أولياء، وكل مؤمن وكل مؤمنة من أولياء الله، كما قال عز وجل: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، وقال الله سبحانه: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.

ولا يجوز للزائر ولا لغيره دعاء الأموات، أو الاستغاثة بهم، أو النذر لهم، أو الذبح لهم عند قبورهم، أو في أي مكان يتقرب بذلك إليهم ليشفعوا له، أو يشفوا مريضه، أو ينصروه على عدوه، أو لغير ذلك من الحاجات، لأن هذه الأمور من العبادة، والعبادة كلها لله وحده، كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، وقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ}، والمعنى: أمر ووصى، وقال عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" (متفق على صحته من حديث معاذ رضي الله عنه)، وهذا يشمل جميع العبادات من صلاة وصوم وركوع وسجود وحج ودعاء وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة، كما أن الآيات السابقات تشمل ذلك كله.

وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله من ذبح لغير الله"، وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله".

والأحاديث في الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الإشراك به وعن وسائل ذلك كثيرة معلومة.

أما النساء فليس لهن زيارة القبور، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، والحكمة في ذلك والله أعلم أن زيارتهن قد تحصل بها الفتنة لهن ولغيرهن من الرجال، وقد كانت الزيارة للقبور في أول الإسلام ممنوعة، حسماً لمادة الشرك، فلما فشا الإسلام وانتشر التوحيد أذن صلى الله عليه وسلم في الزيارة للجميع، ثم خص النساء بالمنع، حسماً لمادة الفتنة بهن.

أما قبور الكفار فلا مانع من زيارتها للذكرى والاعتبار، ولكن لا يُدعى لهم ولا يُستغفر لهم، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له واستأذنه أن يزور قبرها فأذن له، وذلك أنها ماتت في الجاهلية على دين قومها.

وأسأل الله أن يوفق المسلمين رجالاً ونساءً للفقه في الدين، والاستقامة عليه قولاً وعملاً وعقيدة، وأن يعيذهم جميعاً من كل ما يخالف شرعه المطهر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - المجلد الثالث عشر.