اعمل الخير على قدر الاستطاعة

أخونا يشكو من حاله في سنٍ معينة سماحة الشيخ، يرجو التوجيه؟

الإجابة

إذا كان المقصود أنه في حال كبره من السن وضعف من الجسم فعليه أن يعمل ما يستطيع من الخير وله البشرى من الخير (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) يعمل ما يستطيع من طاعة الله ومن ذكر الله وقراءة القرآن وغير هذا من وجوه الخير ولا يضره عجزه عما سوى ذلك والله سبحانه لا يكلف نفساً إلى وسعها يقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) فإذا منعه العجز وكبر السن والضعف عن بعض الأعمال الطيبة كتب الله له أجر ذلك إذا كان يعملها في حال القوة والنشاط كتب الله له أجر ذلك وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قال في غزوة تبوك: (إن في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم) وفي لفظ آخر: (إلا شركوكم في الأجر قالوا: يا رسول الله وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة حبسهم العذر) وفي اللفظ الآخر: (حبسهم المرض) فدل ذلك على أن الإنسان إذا كان له أعمال طيبة مثل صيام الاثنين والخميس مثل الصدقات مثل عيادة المرضى صلاة الجماعة ثم انحبس بمرض أو كبر في السن فلم يستطع أعماله تلك بسبب كبر سنه أو مرضه فإن الله يكتب له تلك الأعمال ويجري له أجرها وإن كان لا يعملها بسبب العذر الشرعي. هذا وجه من جوه القصد ، إذا كان هناك وجه آخر سماحة الشيخ ، إذا كانت مرت به حياة معينة قد يكون ارتكب شيئاً من المعاصي؟ أما إن كان المقصود أنه مضى منه هفوات وزلات في شبابه أو في حال عمله في الوظيفة أو في غير ذلك من الأحيان فدواء ذلك التوبة الإنسان محل الخطايا ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل بني آدم خطَّاء وخير الخطاءين التوابون) فالواجب حينئذ هو التوبة إلى الله والندم والإقلاع من الذنوب تعظيماً لله ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى وحذراً من عقابه والعزم الصادق أن لا يعود فيها، ومتى وقع هذا محاها الله عنه سبحانه وتعالى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في عائشة: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (التوبة تجبُّ ما قبلها) والإسلام يجب ما قبله والإنسان هو محل هفوات محل زلات لكن من رحمة الله أن جعل باب التوبة مفتوحاً قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل أن يغرغر قبل أن تبلغ الروح الحلقوم فهو في سعة عليه أن يبادر بالتوبة المشتملة على أمور ثلاثة: الإقلاع من السيئة والندم على ما مضى منها والعزم الصادق أن لا يعود فيها فإذا تمت هذه الشروط صدق فيها محا الله عنه الذنوب الماضية وكفرها له وإذا كان مع توبته عمل صالح فأتبع التوبة عملاً صالحاً أبدله الله حسنات سبحانه وتعالى كما تقدم في بعض الأسئلة الماضية ولا ينبغي للعاقل أن ييئس من رحمة الله ولا يقنط بل الواجب أن يحسن ظنه بالله يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يموتن أحدٌ منكم إلا وهو يحسن ظنه بالله) ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي) فالله عند ظنك به فعليك حسن الظن بالله مع التوبة الصادقة والعمل الصالح أما إن كانت هناك حقوق للآدميين فأدها إليهم ولا تتم التوبة إلا بأدائها إليهم كالسرقة والخيانة والقتل بغير حق أو الضرب بغير حق وما أشبه ذلك تؤدي حقهم حسب الطاقة إذا أمكن أن تؤدي الحقوق أدها فإن كنت لا تستطيع فإنك تؤدي ما تستطيع وتخبرهم بالحق إن كان مالاً حتى يعذروك أو يمهلوك أو تدفع المال إليهم بطرق أخرى، إذا كنت لا ترى إعلامهم ترسل إليهم حقوقهم من طرق لا يعرفون أنها منك ولكنك تتيقن وصولها إليهم وأنها حق على الباذل لهم بذلها إليهم بواسطة توصل إليهم وإن كان قصاصاً وجب تمكين نفسك حتى يبقى ما عليك قصاص إن كنت قتلت أحداً بغير حق حتى يقتصوا منك أو يسمحوا بالدية أو يعفو عن الجميع وإن كان ضرباً بغير حق استحللت من ضربته أو أرضيته بشيء حتى يرضى، حقوق الآدميين عظيمة وخطيرة لا بد من إعطائهم حقوقهم أو استحلالهم منها قبل أن تموت والله المستعان. لنفترض أن تلك الزلات كانت مالية وقد استفاد منها كثيراً لكنه الآن أصبح يشعر بالندم؟ مثل ما تقدم عليه أن يرد المال الذي أخذه وأما كونه استفاد منها فلا يضره ذلك مع التوبة لكن يرد المال الذي أخذ من صندوق أو من خيانة أو من سرقة يرد عين المال وإن رد معه نصف الربح إن كان يعرف الزوائد فهذا قول بعض أهل العلم أنه إذا عمل بالأموال التي أخذها بغير حق واستفاد منها فإنه يرد النصف على من هي له ويروى ذلك عن عمر - رضي الله عنه - أنه أمر به بعض أولاده لما استعملوا شيئاً من بيت المال وربحوا أمرهم أن يعطوا النصف وكان يشاطر عن ماله إذا اتهمهم بشيء من المال فالحاصل أنه إذا رد الشطر هذا حسن إذا رد الشطر الذي يعلم أنه جاءه ربح كأن تكون السرقة أو الخيانة مائة ألف ريال فاستفاد منه مائة ألف أخرى يرد خمسين ألفاً من باب البراءة للذمة كأنه مضاربة كأنه عمل فيها مضاربة وقال آخرون من أهل العلم تكفي التوبة ولا يرد شيئاً وقال آخرون يرد الربح كله ولا يستفيد منه شيئاً بل يرده كله وهذا قول معروف بعض أهل العلم وإذا رد النصف نصف الربح فهذا قول وسط والأصل أنه ما يلزمه إلا ما أخذ لقول الله عز وجل: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ) فهذا يدل على أن ما سلف له والذي هو له تعبه وما حصل منه وما معه من مال يرده إلى أهله كما لو اقترضه وتصرف فيه. الذي يميل إليه سماحتكم؟ النصف أحسن يقدم النصف أولى وأحوط كما فعله عمر نصف في الربح. عندما تنزع النفس الأمارة بالسوء إلى هذا كيف يتوجه الإنسان أو كيف توجهون لو تكرمتم سماحة الشيخ عبد العزيز؟ لا بد من تذكر الوقوف بين يدي الله وأنه مسئول عما اقترفت يده وعما أغله من حقوق الناس ثم يجتهد في التخلص يتذكر مقامه بين يدي الله، الله يقول: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ويقول سبحانه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) فإذا زينت له نفسه شيئاً من الباطل والإصرار عليه؛ فإنه يعالجها بالتذكر لهذا المقام والتخلص مما تأتي به نفسه من الباطل بأي طريق يعلمه من طرق الشرع التي تخلصه من هذا البلاء الذي وقع عليه إن كان ذنباً تاب إلى الله منه وإن كان مالاً رده إلى أهله وإن كان قصاصاً مكن أهله من حقهم وهكذا.