المتعامل بالربا من المرابين سواء كان الآخذ أو المعطي

السؤال: قامت مؤسسة أوربية بتمويل مشاريع كمُساعدةٍ من الغرب، واشترطت إرجاع المبلغ المقتَرَض مُضافًا إليه فائدة تُدْفع على أقساط؛ بدعوى أخذ هذه الفائدة أجرًا ومصاريف للعمال (مستهلكات) فيها، فاقترض أبي قرضًا من هذه المؤسَّسة مقداره 50 ألف دولار بِحُجَّة عدم وجود أحدٍ يُقرِضُه المبلغ، وفشل هذا المشروع ودفع أبي نِصف الفائدة المقرَّرة عليه. المشكلة أن أبي مُصِرٌّ على أنَّ هذا القرض غير ربوي لأنَّ المؤسَّسة هي التي أخذتِ الفائدة وليس هو، وأنها تدفع بها أجرَ عُمَّالها، حاولنا إقناعَ أبي كثيرًا فقال: إنَّ مثل هذه المؤسسة لم تكن أيام الرَّسول فكيف حرَّمها العلماء! وماذا يفعل أبي لكي يتوب من هذا القرض؟

الإجابة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ أيَّ زيادةٍ في الدَّيْن مُقابلَ الزِّيادة في الأجَل من ربا الدُّيون الذي هو أشهر أنواع رِبا الجاهليَّة وأشدِّها قُبحًا ونزل القُرآن بتحريمه، وهو الرِّبا الذي تتعامل به جَميعُ البنوك التِّجاريَّة –الربوية- في واقعنا المُعاصر.

وصورتُه أن يُقْرِضَ رجلٌ رجلاً مبلغًا من المال لمُدَّةٍ مُعَيَّنة مع اشْتِراط زيادةٍ في قيمة الدَّين أو أَخْذِ نِسبة مُعيَّنة تتفاضَلُ بِتفاضُل الدَّين، وإن لم يسدِّد المَدين في الوقت المحدَّد زِيدَ في الأجل مع الزيادة في الدَّين: "إما أن تَقضيني حقي وإما أن تُربي".

ومن القواعد المتَّفق عليْها أنَّ "كُلَّ قرض جرَّ نفعًا فَهُوَ رِبا"، قال ابن المنذر: "أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ المُسَلِّفَ إذا شَرَط على المُسْتَسْلِفِ زيادةً أو هديَّةً، فَأَسْلَفَ على ذلك، أَنَّ أخْذَ الزيادة على ذلك رِبًا"، وفي الصحيحيْنِ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذهبُ بالذهب، والفضَّة بالفضَّة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعير، والتَّمر بالتَّمر، والمِلح بالملح، مِثْلاً بِمثل، يدًا بيدٍ، فمَن زاد أوِ استزادَ فقدْ أربى، الآخِذُ والمُعْطِي سواء".

وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278-279] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130].

وقال صلى الله عليه وسلَّم: "ألا كُلُّ شيْءٍ من أمْرِ الجاهليَّة تَحت قدمي موضوع، ودماءُ الجاهليَّة موضوعة، وإنَّ أوَّلَ دمٍ أضَعُ من دِمائِنا دمُ ابْنِ ربيعةَ بنِ الحارث - كان مُسترضعًا في بَنِي سعدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذيل - ورِبا الجاهليَّة موضوعٌ وأوَّل رِبا أضَعُ ربانا رِبا عبَّاس بن عبدالمطَّلب فإنَّه موضوعٌ كلُّه" (رواهُ مُسلم عن جابرِ بْنِ عبدالله)، ومن رِبا الجاهليَّة ربا الدُّيون كما سبقَ بيانُه.

وقال الجصَّاص في "أحكام القرآن": "والربا الذي كانتِ العَرَبُ تَعْرِفه وتفعلُه إنَّما كان قرضَ الدَّراهم والدَّنانير إلى أجَلٍ بِزيادةٍ على مِقدار ما استقرض على ما يتراضون"، وقال القُرطُبِيُّ في "الجامع لأحكام القرآن": "وأجْمَعَ المسلمون نَقْلاً عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلَّم على أنَّ اشْتِراطَ الزِّيادة في السلف رِبا ولَوْ كان قبضةً من علف - كما قال ابن مسعود- أو حبَّة واحدة".

قال أبو مُحمَّد ابنُ حزم في "المحلى": "والرِّبا لا يَجوز في البَيْعِ والسَّلم إلا في سِتَّة أشياءَ فقطْ ... وهو في القَرض في كُلِّ شيء"، وقال ابنُ رشْد في "بداية المجتهد": "واتَّفق العلماءُ على أنَّ الرِّبا يوجد في شيئيْن؛ في البَيْعِ وفيما تقرَّر في الذِّمَّة من بَيع أو سلَف أو غيرِ ذلك".

أما قول الوالد عفا الله عنه: أنَّ هذا القرض غير ربوي لأنَّ المؤسَّسة هي التي أخذتِ الفائدة" فالجواب أن المقترِض بالربا يَأثَم لتَعَامُلِه بالرِّبَا، وهو وإن لم يأكل الربا ولم يأخذه، وإنما أَوْكَلَه وأعطاه غيره؛ فكان مغبونًا بدفع الزيادة الربوية على أصل المال، وموكل الربا ليس عليه إلا أن يتوب فقط.

وقوله: إن تِلكَ المؤسَّسات لم تَكُنْ على عهد النَّبِيِّ فليس بشيء؛ لأنَّ علَّة الربا متحققة فيها؛ وهي اشتراطُ الزيادة على أصل المال سواء سموها مصاريف أو غير ذلك، فالحكم يدورُ مع عِلَّتِه وُجودًا وعدمًا، ومتى وجدت العلة فثم الحكم.

فالواجب عليكم النصح للوالد بالإسراع بالتوبة النصوح إلى الله تعالى،، والله أعلم.