ما أوجه القول بأن التوسل بقبور الأنبياء والصالحين شركٌ؟

السؤال: ما أوجه القول بأن التوسل بقبور الأنبياء والصالحين شركٌ؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، زيارة قبور الأنبياء والصالحين نوعان:
زيارة شرعية، وهي زيارة للسلام عليهم والدعاء لهم، وتذكر الآخرة، لكن لا يجوز السفر لذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (رواه البخاري: 1189، ومسلم: 827) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-.

وأما زيارة قبورهم للدعاء عندها أو الصلاة عندها، فذلك من البدع في الدين، ومن وسائل الشرك، وكذا التوسل بذواتهم مثل أن يقول: نسألك يا الله بنبيك أو بعبدك الصالح، فذلك بدعة في التوسل؛ لأن التوسل المشروع هو التوسل بدعائهم، وهذا لا يكون إلا في حال حياتهم وحضورهم، وأما قصد القبور للطواف حولها والتقرب إلى أصحابها بالصلاة لهم، وكذلك الاستغاثة بهم عند قبورهم أو بعيداً عنهم؛ فكل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن ذلك من عبادتهم مع الله، والله -تعالى- يقول: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم...} [البقرة:21] إلى قوله: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} [البقرة:22]، قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً} [النساء:36]، وقال: {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}، وقال سبحانه وتعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً} [الجن:18]، فيجب التفريق بين ما هو شرك وما هو من وسائل الشرك، والقبوريون من الصوفية وأشباههم يفعلون عند قبور من يعظمون -سواء كانوا أولياء أو يظنونهم أولياء- كل هذه الأفعال، فإنهم يدعونهم ويدعون الله بهم ويتحرون الصلاة والدعاء عند قبورهم ويستغيثون بهم كذلك، ويلجؤون إليهم أعظم من التجائهم إلى الله.

والرافضة الذين يسمون أنفسهم الشيعة هم الأصل في هذا الشرك فهم أمكن فيه؛ فإنهم يحجون إلى المشاهد التي بنوها على قبور الأئمة سواءً كانت حقيقية أو وهمية.

فالواجب الحذر من هذا الشرك وما يقرب إليه؛ فإنه انتشر في الأمة الإسلامية في الطائفتين الرافضة والصوفية، وقد بلَّغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- البلاغ المبين؛ فحذَّر من الشرك كله وسد كل الطرق الموصلة إليه وذلك من كمال نصحه -صلى الله عليه وسلم-، فأقام الله به الحجة وأوضح المحجة، قال الله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة:128]. وصلِّ الله على محمد وآله وصحبه وسلم. وقد بين سبحانه وتعالى أنه لم يخلق الجن والإنس ليرزقوه أو يطعموه، أو يتقوى بهم من ضعف فقال سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات:56-58].

أما قول القائل: لماذا أمرنا الله بعبادته؟ وقد علم من يدخل الجنة ومن يدخل النار فجوابه أيضاً كما ذكرت: أن على العباد أن يعملوا ولا يتكلوا على القدر كما قال -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: إذا كان ما نعمله قد فرغ منه ومضى به القدر فلماذا العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" (البخاري : 4949، ومسلم : 2647) وتفسير هذا أن من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة، هكذا جاء في الحديث وجاء هذا المعنى في القرآن في قوله سبحانه: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} وهذا التيسير لعمل أهل السعادة، أو عمل أهل الشقاوة هو الهدى والإضلال المذكوران في مثل قوله تعالى: {يضل من يشاء ويهدي من يشاء} [النحل:93] فيهدي من يشاء بتوفيقه فضلاً منه، ويضل من يشاء بعدم التوفيق عدلاً منه، فهو تعالى يهدي من يشاء بفضله وحكمته ويضل من يشاء بعدله وحكمته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

فالواجب على العباد أن يؤمنوا بشرع الله وقدره وأن يطيعوا أمره ونهيه، وأن يأخذوا بأسباب السعادة، وأن يحذروا من أسباب الشقاوة وهذا ما فطر الله عليه العباد من الأخذ بالأسباب النافعة، وتجنب الأسباب الضارة، وإن كان ذلك كله مقدراً كما في طلب الرزق وطلب العلم، وطلب الأولاد، فلا يقول عاقل: إن كان الله قد قدر أن أكون عالماً، أو قدر أن يكون لي رزق، أو قدر أن يكون لي أولاد فسيحصل ذلك كله دون سعي ولا عمل، فهكذا سعادة الآخرة موقوفة على أسباب، وهي الإيمان والعمل الصالح، ولن تتحقق هذه السعادة إلا بأسبابها التي شرعها الله وقدرها سبحانه وتعالى، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. والله أعلم.