كيف أجمع بين الخوف من الله ومرجاة رحمته ومغفرته؟

السؤال: أنا غريقة أريد من يمد لي يده وينقذني، وأخاف على نفسي من الفتن. لقد سمعت أمس خبر وفاة فتاة في مثل عمري وهي في طريقها للخير مبتسمة كافلة للأيتام. فصُدمت بحالي. ماذا إن مت أنا اليوم؟ ماذا فعلت وقدمت؟ هل يرضى الله عني؟ هل يحبني الله؟ استجعمت قوتي واستعددت مرة أخرى ووقفت من جديد. أخذت أحفز نفسي على أداء الكثير من الأشياء، وأولها وآخرها الجنة والنظر لله ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكني أقف عند حديثين شريفين لنبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام لا أعرف أتحرك بينهما، فالدائرة حولي محكمة الغلق لا أجد لي بابًا أفتحه. الحديث الأول "أنا عند ظن عبدي بي"، والآخر: "قال الله عز وجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي". فالأول مطلوب مني أن أتيقن بقدرة الله وأن أثق برحمته، والثايى مطلوب مني أن أخاف من الله سبحانه. فكيف أتيقن بمغفرته وأنه يغفر لي، وكيف أخاف من ألا يتقبل مني؟ أنا واثقة أن هناك تفسيرًا غائبًا عن ذهني أحتاج لمعرفته. وكيف أعرف أن الله سيتقبلني من الصالحين؟

الإجابة

الإجابة: اعلمي رحمكِ الله أن العبد إذا ألهم الدعاء فإن الإجابة معه ولن يهلك مع الدعاء أحد. قال تعالى {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}. واجتهدي في طاعة الله وإخلاص العبودية لله تعالى وأن يتردد فكرك بين رغبة ورهبة، فبذلك أثنى سبحانه على الأنبياء والمرسلين فقال {وكانوا يدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين} يرجون رحمته ويخافون عذابه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ويتعوّذ ربه من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

وينبغي على العبد أن يغلب على نفسه جانب الخوف حال الحياة؛ حتى يندفع لفعل المأمورات و لترك المحظورات. أما حال الوفاة فيغلب جانب الرجاء، وفي الحديث "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه" وفي الحديث "أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما يشاء".فمن ظن أن الله يعذب أولياءه ولا يغفر لهم ولا يرحمهم فقد ظنّ ظن السوء برب العزة جل وعلا، ومن ظنّ أن الله يضيع أجر من أحسن عملا فيجعل أولياءه كأعدائه فقد ظنّ ظن السوء. ومن ظن أن الله لا ينصر دينه وسنة نبيه فقد ظنّ ظن السوء به سبحانه.

و اعلمي أن الأعمال بالخواتيم ونحن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء دون أن نقطع لأحد بخاتمة، إلا إذا قطع الشرع بخاتمته كأبي بكر و عمر أنهما من أهل الجنة، وفرعون وأبو جهل من أهل النار. ثم من مات على عمل صالح كصدقة وصلاة وصيام ودعوة رجونا له أن يكون من أهل الجنة. وقد وردت الأحاديث تبشر بذلك وتستحث الخلق على العمل بطاعة الوقت وعدم التسويف؛ فالموت قريب. ومن كان أخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة.

وخوفك على نفسك الفتنة مشروع، وأكثري من الدعاء: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". وتعوذي بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. تعلمي أمر دينك وتابعي العلم النافع بعمل, واستفرغي الوسع في طاعة الله وأحسني الظن بربك ولو طال العمر في إقامة واجب العبودية؛ فهو المرجو. فخير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله. وقولي {وعجلت إليك رب لترضى}.

و الله أعلم.