الجمع بين حديث الميت يعذب ببكاء أهله وقول عائشة

يوجد حديث عند الإمام البخاري مروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، وحديث أخر عن سيدتنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ترفض هذا القول، وتقول: [[حسبكم القرآن: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))[الأنعام:164]]]، فما جوابكم أثابكم الله عن هذه المسألة، هل الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، أم أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، ولا تزر وازرة وزر أخرى؟

الإجابة

ليس هناك تعارض بين الأحاديث ولا بين الآية التي ذكرتها عائشة رضي الله عنها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، من حديث ابن عمر ومن حديث المغيرة ومن غيرهما في الصحيحين، ليس في البخاري وحده بل في الصحيحين في البخاري ومسلم جميعاً وفي غيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الميت يعذب بما يناح عليه)، وفي رواية البخاري: (ببكاء أهله عليه)، والمراد بالبكاء يعني النياحة، رفع الصوت، أما البكاء المراد بدمع العين هذا لا يضر، إنما الذي يضر النياحة رفع الصوت والرسول - صلى الله عليه وسلم- قصد بهذا منع الناس من النياحة على مواتهم وأن يتحملوا الصبر ويكفوا عن النوح، ولا بأس بدمع العين كما قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم، قال: (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون) الميت يعذب بالنياحة عليه من أهله، وكيفية العذاب الله أعلم بكيفية العذاب الذي يحصل له بهذه النياحة، وهذا مستثنى من قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (164) سورة الأنعام، فإن القرآن والسنة لا يتعارضان، بل يصدق أحدهما الآخر، ويفسر أحدهما الآخر، فالآية عامة، والحديث خاص، والسنة تخص القرآن، وتبين معناه، فيكون تعذيب الميت بالنياحة عليه مستثنىً من الآية الكريمة، ولا تعارض بينها وبين الأحاديث، وأما قول عائشة رضي الله عنها فهذا من اجتهادها، وحرصها على الخير، وفهمها، وما قال قاله النبي صلى الله عليه وسلم مقدمٌ على قولها وعلى فهمها.