الكلام على التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: هل التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم جائز، وما درجة صحة الحديث الوارد في ذلك؟

الإجابة

الإجابة: إن التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم مسألة فقهية وليست في الأصل مسألة عقدية، وقد اختلف فيها أهل العلم في حكمها بناء على الخلاف في تصحيح حديث الضرير، وحديث الضرير حديث واحد في هذا الباب لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التوسل شيء إلا هذا الحديث وحده، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره من طريق شعبة بن الحجاج عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أتاه فقال: إن لي حاجة إلى عثمان ولا يلتفت إليّ فاشفع لي عنده، وكان عثمان يحتجب عن حاجته، فقال اذهب إلى الميضأة فتوضأ فأحسن الوضوء ثم صل ركعتين ثم ادع بهذا الدعاء: "اللهم إني أتوسل إليك، وأتشفع إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوسل بك إلى الله في حاجتي هذه فتقضى لي، اللهم شفعني فيه وشفعه فيّ"، ففعل الرجل ذلك فأتى عثمان فقضى حاجته، فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال جزاك الله خيراً، فوالله ما كان يلتفت إلي، فقال: "أما إني لم أكلمه، ولكني كنت ذات يوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل ضرير، فقال: يا رسول ادع الله أن يرد علي بصري، فقال: "أو تصبر؟"، فقال: بل ادع الله أن يرد علي بصري، فأمره بمثل ما أمرتك به فرد الله عليه بصره.

لكن هذا الحديث ضعيف فهو معلل بعدد كثير من العلل:
- أولاً أن في إسناده شعبة بن الحجاج عن أبي جعفر، وأبو جعفر هذا غير مسمى ولا منسوب فهو مجهول، وقد قال الترمذي في السنن وهو غير الخطمي، أي ليس هو الخطمي، والخطمي حتى لو قيل إنه هو فهو رجل من أهل المدينة وغير معروف بالمدينة أهل المدينة لا يعرفونه، هو مدني وقد وثقه بعض أهل العلم ولكنه غير معروف بالمدينة كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر وغيره.
- وأيضا فإنه اضطرب في إسناده فأبو جعفر هذا تارة يرويه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، وتارة عن عمارة بن عثمان بن حنيف كما أخرج ذلك النسائي في السنن، وتارة عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، وهذا اضطراب واضح في الإسناد.
- كذلك فإن فيه: "اللهم شفعني فيه وشفعه فيّ"، وهذا لا يمكن أن يكون الرجل فيه يريد أن يكون شفيعاً في النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الشفيع في الناس، إلا إذا حمل هذا على أنه من التوسل بدعائه لا بجاهه لا بذاته، وحينئذ لا إشكال لأن التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم محل إجماع بين المسلمين، فإذا كان المعنى اللهم شفعني فيه أي استجب دعائي له بالإجابة، وشفعه فيّ أي استجب دعاءه لي برد البصر يكون هذا من التوسل بدعائه لا بجاهه، ولا خلاف بين المسلمين في جاه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أعظم البشر جاهاً وأفضلهم وأكملهم وأكرمهم على الله هذا ليس محل خلاف.

لكن الخلاف فقط هو في الحكم الشرعي، لأنه من المعلوم أن التوسل تعبد لله، وأن كل تعبد لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله ولم يعلمه للناس فليس على خير أبداً، فالخير هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما علم الناس، وما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن نصل إليه، لا علم لنا إلا ما جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمنا هذا التوسل ولم يرد عنه فيه شيء إلا هذا الحديث وهذا الحديث ضعيف كما سمعتم، وفيه ذكر أن عثمان احتجب عن الناس، وعثمان لم يحتجب كسائر الخلفاء وإنما كان له بواب يدخل عليه الناس وينظمهم في دخولهم كما كان لعمر يرفأ وغيره، وكذلك فإن الترمذي لما أورد هذا الحديث وصفه بالصحة والحسن والغرابة، فقال حديث حسن صحيح غريب، واجتماع كل هذه الأوصاف فيه يقتضي طعنا فيه، وكذلك فإن هذا الحديث أيضاً فيه قول الصحابي وفيه من البحث ما فيه، لأنه إذا قدر أن عثمان بن حنيف علمه للرجل فيكون هذا قولاً للصحابي وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل كما سبق على فرض صحته وهي غير واردة أصلاً، يحمل على التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، الرجل غير مسمى لكن لا يضره ذلك لأن الإسناد ليس فيه ذلك الرجل غير المسمى.

فإذن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث آخر في التوسل بجاهه سوى هذا، وليس معنى هذا إنكار جاه النبي صلى الله عليه وسلم أبداً، فهذا ليس محل خلاف بين كل من آمن بالله ورسوله، ولكن فقط لا بد من العلم أن الشرع هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وأن كل ما سواه مردود على من جاء به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ولو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التوسل وغيره لكان مما جاء به ولكان مما يجب الأخذ به، ولكن لما لم يصح عنه كان كغيره من كل ما لم يرد فيه إلا الضعاف فهو مردود على أصحابه.

بالنسبة للاستغاثة ليست مثل التوسل الاستغاثة من العقيدة والتوسل مسألة فقهية، أما الاستغاثة فهي من العقيدة وهي من الشرك الأكبر، من استغاث بغير الله فقد أشرك شركاً أكبر، لأن الله تعالى يقول: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.