هناك مشكلة ترد على بعض الناس، وهي: "كيف يعاقب الله على المعاصي وقد قدرها على الإنسان"؟

السؤال: هناك مشكلة ترد على بعض الناس، وهي: "كيف يعاقب الله على المعاصي وقد قدرها على الإنسان"؟

الإجابة

الإجابة: هذه في الحقيقة ليست مشكلة وهي إقدام الإنسان على العمل السيئ ثم يعاقب عليه هذه ليست مشكلة؛ لأن إقدام الإنسان على العمل السيئ، إقدام باختياره فلم يكن أحد شهر سيفه أمام وجهه وقال: اعمل هذا المنكر بل هو عمله باختياره، والله تعالى يقول: {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}، فالشاكر والكفور كلهم قد هداه الله السبيل وبينه له ووضحه له، ولكن من الناس من يختار هذا الطريق ومن الناس من لا يختاره، وتوضيح ذلك أولاً بالإلزام، وثانياً بالبيان:

أما الإلزام فإننا نقول للشخص: أعمالك الدنيوية وأعمالك الأخروية كلاهما سواء، ويلزمك أن تجعلهما سواء، ومن المعلوم أنه لو عرض عليك من أعمال الدنيا مشروعان أحدهما ترى لنفسك الخير فيه، والثاني ترى لنفسك الشر فيه، من المعلوم أنك تختار المشروع الأول الذي هو مشروع الخير ولا يمكن أبداً بأي حال من الأحوال أن تختار المشروع الثاني وهو مشروع الشر، ثم تقول: إن القدر ألزمني به، إذاً يلزمك في طريق الآخرة ما التزمته في طريق الدنيا، ونقول: جعل الله أمامك من أعمال الآخرة مشروعين مشروعاً للشر وهو الأعمال المخالفة للشرع، ومشروعاً للخير وهو الأعمال المطابقة للشرع، فإذا كنت في أعمال الدنيا تختار المشروع الخيري، فلماذا لا تختار المشروع الخيري في أعمال الآخرة؟!!! إنه يلزمك في عمل الآخرة أن تختار المشروع الخيري كما أنت التزمت في عمل الدنيا أن تسلك المشروع الخيري هذا طريق الإلزام.

أما طريق البيان فإننا نقول: كلنا يجهل ماذا قدر الله له، قال الله تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً}، فالإنسان حينما يقدم على العمل يقدم عليه باختيار منه ليس عن علم بأن الله قدره عليه وأرغمه عليه، ولهذا قال بعض العلماء: "إن القدر سر مكتوم"، ونحن جميعاً لا نعلم أن الله قدر كذا حتى يقع ذلك العمل، فنحن إذاً حينما نقدم على العمل لا نقدم عليه على أساس أنه كتب لنا أو علينا، وإنما نقدم عليه باختيار، وحينما يقع نعلم أن الله قدره علينا، ولذلك لا يقع احتجاج الإنسان بالقدر إلا بعد وقوع العمل، ولكنه لا حجة له بذلك، ويذكر عن أمير المؤمنين عمر قصة -قد تصح عنه وقد لا تصح- رفع إليه سارق تمت شروط القطع في سرقته، فلما أمر أمير المؤمنين بقطع يده قال: مهلاً يا أمير المؤمنين!! والله ما سرقت ذلك إلا بقدر الله. قال له: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله. فاحتج عليه أمير المؤمنين بما احتج به هو على سرقته من أموال المسلمين، مع أن عمر يمكنه أن يحتج عليه بالقدر والشرع، لأنه مأمور بقطع يده، أما ذاك فلا يمكن أن يحتج إلا بالقدر إن صح أن يحتج به.

وعلى هذا فإنه لا يمكن لأي أحد أن يحتج بالقدر على معصية الله، وإنه في الواقع لا حجة فيه يقول الله عز وجل: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، فالله يقول: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، مع أن ما يعمله الناس بعد الرسل هو بقدر الله، ولو كان القدر حجة ما زالت بإرسال الرسل أبداً. بهذا يتبين لنا أثراً ونظراً أنه لا حجة للعاصي بقضاء الله وقدره، لأنه لم يجبر على ذلك، والله الموفق.



مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني - باب القضاء والقدر.