ما صحة هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل معاذاً عند سفره إلى اليمن: "بماذا ...

السؤال: ما صحة هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل معاذاً عند سفره إلى اليمن: "بماذا تحكم بين الناس؟" قال: بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد؟"، قال: بسنة رسوله، قال: "فإن لم تجد؟"، قال: باجتهادي؟

الإجابة

الإجابة: هذا الحديث مشهور الشهرة اللغوية لا الاصطلاحية عند علماء الأصول، ويكثرون من ذكره، والحديث فيه ثلاث علل؛ فهو ضعيف ضعفه المحققون من أهل العلم، بل أفرده غير واحد بالتصنيف، وبين ضعفه.

.. وهذا الحديث فيه معنى منكر، وهو أن السنة لا يلجأ إليها إلا بعد أن يفقد الحكم من كتاب الله، لأن السنة حجة بذاتها، لا أنها يلجأ إليها بعد أن لا نجد الحكم في كتاب الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئ على أريكته شبعان ريان، يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"، أي السنة، وقال الأوزاعي وغيره: السنة قاضية على الكتاب فهي حجة بنفسها، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله وسنة رسول الله معاً، فالصلاة واجبة في الكتاب والسنة، فإذا أخذنا بالقرآن لا نعلم عدد الركعات ولا نعلم كيفية الصلاة فالقرآن أوجب الصلاة والسنة فصلت الصلاة، فلا يوجد في القرآن أن صلاة الفجر ركعتين والظهر أربع وهكذا، وكذلك الزكاة، لذا فإن هذا الحديث منكر لأن السنة حجة بذاتها.

وبعض الناس يظن أن الوارد في القرآن واجب، وأن الوارد في السنة هو سنة، وهذا خطأ، ففي السنة شيء حرام، وشيء واجب، فالسنة لها معنيان: معنى حكم تكليفي وهو من الأحكام الخمسة فوق المباح ودون الواجب، ومعنى آخر السنة كمصدر تشريعي فهي كالقرآن فيها الأحكام الخمسة.

فمن استغنى عن السنة ضال مبتدع ومن أنكر حجية السنة، واعتمد على القرآن فقط فهذا كافر.

ولذا إنكار بعض الناس على طلبة أنهم مشغولون بالسنة وتاركون للقرآن لأنهم يظنون أننا لا نلجأ إلى السنة، إلا لما نفقد الحكم من القرآن، وهذا معنى خطأ أصلاً ومنكر في دين الله. فالسنة في التحليل والتحريم كالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"، فالنبي يقول مثله، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فصَّل والقرآن الكريم فيه إجمال، ولو قيل: إن القرآن بعموم تشريعاته جاء ليضبط المفاهيم والتصورات وإن السنة جاءت بعموماتها لضبط السلوكيات، لكان الكلام فيه نصيب كبير من الصحة.

ولا يجوز لأحد أن يعيب على أحد بأن يقول: قال رسول الله، فمن عاب هذا ما عرف معنى لزوم: "أشهد أن محمداً رسول الله"، ل: "أشهد أن لا إله إلا الله" فهما شهادتان متلازمتان لا تنفكان إلى يوم الدين، وهذا التلازم من ثمرته في الحياة أن يبقى على اللسان: "قال الله، قال رسول الله"، وهذا هو ديننا، فإن فقدنا ذلك في النازلة نذهب لأشرف الناس وهم الصحابة.

ومن أعجب العجب أن بعض يقول: فلان الخطيب لا يقول على المنبر إلا: "قال الله" "قال رسول الله" سبحان الله! ماذا تريد أن يقول؟ أيحضر معه راديو على المنبر ليفتح على الأخبار؟ فلم يصعد الخطيب على المنبر إذن؟ من أجل: "قال الله، قال رسول الله".

لكن ينبغي أن نفهم معناها ونربي الناس عليها، لأن في ذلك الغنية، ولكن نحتاج إلى المعاني الجيدة وعقل وقاد يربط كل شيء ب: "قال الله، وقال رسول الله"، فلا نقبل لأحد أبداً أن يقرر شيئاً من عنده.

ومن لم يضبط المسائل المنصوص عليها من: "قال الله، وقال رسول الله" لن يفلح أن يستنبط منهما الأشياء التي تلزم الناس فالأمر الطبيعي أن نتدرج، والأمثلة التي وردت فيها النصوص مثل مدرس الرياضيات الذي يدرس الأمثلة النموذجية فنفهم هذه الأمثلة النموذجية، ونهضمها ولا تغيب عنا؛ حتى نتعداها إلى غيرها، فإن قصرنا فيها ممن باب أولى أن نزل بغيرها، فواحد ما عرف الأصول ولا السنة، ولم يقبل القرآن ثم يتزعم المسائل التي يحتار فيها العلماء ويتكلم فيها، ويتجرأ على كبار العلماء، وهذا من مفارقات أهل هذا الزمان.

فالأمة ضائعة والناس محتارون، والحلقة مفرغة، وبقي الناس يحتاجون إلى من يوصل هذا الفراغ وهم العلماء.

.. واعلموا أن سبيل الإصلاح في آخر الزمان هو سبيل العلماء كما قال مالك والفضيل: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".

وكل الناس العاملين اليوم على نوايا طيبة وعلى حب الشرع وحرقة عليه، يحاولون أن يسدوا مسد العلماء الربانيين ولن يقدروا، فكم من مريد للخير لا يصيبه فالذي يريد أن يصيب الخير لا بد أن يكون عنده الأدوات والأدوات كما قلنا يبدأ بالأمثلة النموذجية ويحذقها حتى يصل إلى الأشياء التي الأمة بحاجة إليها.

وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الشرور والمنكرات، ورزقنا وإياكم الإنصاف والتقوى، وأبعدنا عن الهوى وعن ركوب ما لا يرتضى.