التبرع بأعضاء الإنسان ومسائل عالقة

نعلم جميعاً مدى ما وصل إليه الطب البشري الآن من تقدم إلى درجة زراعة القلب أو نقله من شخص إلى آخر، أو أي عضو آخر كالعين مثلاً، فما الحكم الشرعي في حالة نقل قلب غير المسلم إلى شخص مسلم، أو عينه أو كليته، أو أي عضوٍ من أعضاء الجسم؟ وبالنسبة للقلب فالحكم مطلوب مع النظر إلى معنى الحديث الذي يفيد "أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله".

الإجابة

أما النقل ففيه خلاف بين العلماء: منهم من يجيز ذلك، ويجيز التبرع بذلك، ومنهم من لا هذا لأن المؤمن والمسلم والإنسان ليس له تصرف في نفسه بما يضره، فهو ملك لله -عز وجل-، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه إذا تبرع بذلك على وجه لا خوف عليه فيه ولا خطر عليه فيه، أو أخذ منه عند موته على وجه ينفع غيره، منهم من أجاز هذا، ومنهم من لم يجيز هذا، وقالوا: ليس للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضاه، لأنها غير مملوكة له، بل هي ملك لله، فليس له أن يتبرع بها لا كليه ولا قلب ولا غير ذلك. وقال آخرون من أهل العلم: إذا تبرع بشيء لا يضره كإحدى كليته و القرنية وأشباه ذلك فلا حرج لأنه شيء ينفع غيره ولا يضره، أما شيء يضره فلا، ليس له أن يتبرع بشيء يضره، أو يسبب موته. وعلى كل تقدير لو فرضنا أن انتقلت كلية كافر إلى مسلم صار له حكم المسلم، وصارت تبع المسلم إذا مات على الإسلام لا تعذب، لأنها انتقلت من ذلك الجسد الخبيث إلى جسد طيب وصار لها حكم الإنسان الطيب بالانتقال، كما أن الخمرة إذا تخللت من غير أن يخللها أحد صارت طيبة، وكما أن الماء النجس الكثير إذا زال عنه أسباب النجاسة: فزال اللون والريح والطعم وصار طيباً واستحال إلى الطيب طهر، فهكذا ما نقل من كافر: من كلية أو غيرها أو قلب أو غيره فإنه يتبع المسلم، فيكون طيباً تبع المسلم، إذا طاب المسلم طاب قلبه، ولو كان منقولاً، فإن الشرايين والأشياء المتعلقة بهذا القلب وتمده بالدم كلها من المسلم، فيكون الطيب جديداً له بعدما كان خبيثاً جاءه الطيب بإمداد المسلم له، وبقاءه فيه، يعبد الله، يعظم الله، ويخشاه ويراقبه -سبحانه وتعالى-، فإن هذا على فرض وجوده وعلى فرض صحة النقل وأنه يعيش مثل المحل الثاني فإنه مثل الكلية إذا نقلت ومثل القرنية ومثل غير ذلك يكون له حكم من انتقل إليه، فإذا نقل من الكافر إلى المسلم صار طيباً وله حكم المسلم, وإذا نقل من المسلم إلى الكافر صار له حكم الكافر، وحشر معه يوم القيامة، وصار تابعاً له؛ لأن الأعضاء تتبع الإنسان، فهي أعضاه وأجزاؤه: قلب وغيره، فإذا عمر بالطاعات صار طيباً، وإذا عمر بالشرك والكفر وبغض الله ورسوله انتقل من حال الطيب إلى حال الخبث، مثل المسلم لو ارتد عن دينه بينما هو طيب مسلم إذا ارتد عن دينه وصار منافقاً أو كافراً معلناً صار له الخبث، انتقل له الخبث، وزال عنه الطيب بكفره وردته، فهكذا إذا انتقل عضو المسلم إلى الكافر صار له الخبث، وإذا انتقل عضو الكافر إلى المسلم صار له الطيب بالانتقال، وهذا شيء لا أعلم فيه إشكالاً ولا نزاعاً لو وقع. بالنسبة لبعض الناس حينما ييأس من شفاءه من مرض ما ويكون إلى الموت أقرب فقد يتبرع بشيء من أعضاءه كالعينين مثلاً، أو ربما يبيعها بيعاً فما الحكم في هذا؟ أنا وحتى الآن لم يتضح لي الجواز، وبعض الإخوة ........ قد أجاز ذلك، يتبرع به الإنسان إذا كان لا يضره أو بعد موته إذا لم يترتب عليه نزاع بين الورثة ولا فتنة. أما أنا فالذي يظهر لي عدم الجواز؛ لأن هذه أمور أعطاها الله العبد، وليس له التصرف فيها، بل يجب عليه أن يقف عند حده، ولا يتصرف في أعضاءه، ولأن المثلة محرمة في الحياة، وهذا نوع من المثلة، والذي يسمح أن يمثل به فيؤخذ قلبه أو تؤخذ كليته أو ما أشبه ذلك أخشى أن يكون داخلاً في النهي عن المثلة، وأخشى أن يكون عليه في هذا حرج، فأنا عندي التوقف في هذا، وأنا إلى المنع أميل. أما بعض إخواننا العلماء فإنهم يجيزون بعض هذا، نعم، المذيع/ حتى البيع؟ البيع ما أعلم له مجيزاً، أو ما أذكر أحداً من إخواني أجازوا البيع. المذيع/ إنما الخلاف هذا بالنسبة للتبرع؟ الخلاف للتبرع نعم.