الإجابة:
الاعتكاف ليس بواجب ، بل هو قربة ، وسنة مستحبة ، وليس هناك دليل يدل
على الإلزام بالاعتكاف ، وإنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -
طلبا للأفضل والأكمل ، والتماسا لليلة القدر في العشر الأواخر .
وأما متى يكون واجبا ؟ فإن الاعتكاف يكون واجبا بالنذر ، فإذا نذر
الإنسان أن يعتكف ؛ فإنه يوفي بنذره ؛ لأن النّبي - صلى الله عليه
وسلم - قال في الحديث الصحيح : " من نذر أن
يطيع الله ؛ فليطعه " .
فهذا أمر يقتضي وجوب الوفاء بالنذر ، وثبت عنه - عليه الصلاة والسلام
- في الحديث الصحيح حينما سأله عمر عن أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ،
" فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
يوفي بنذره " ، فهذا يدل على أن الاعتكاف يكون واجبا في حال
النذر .
واختلف العلماء - رحمهم الله - لو كان الاعتكاف نافلة وطاعة ، فدخل
فيها المكلف : هل الشروع في النافلة يُصيّرها فريضة - وقد تقدمت معنا
هذه المسألة - وبيّنا أن هناك عبادات نص الشرع على أن الدخول في
نافلتها يُصيّرها فريضة ، ويلزم إتمامها ، كما في الحج والعمرة ، وأن
هناك عبادات تبقى على الأصل ، كما في الحديث عنه - عليه الصلاة
والسلام - في الصوم أنه قال : " المتطوع
أمير نفسه. "
فهذا الحديث أصل عند طائفة من العلماء - رحمهم الله - على أن المتطوع
أمير لنفسه ، إن شاء أتم ، وإن شاء لم يتم ، ولا شك أن الأفضل والأكمل
أن يتم العبد طاعته لله - تعالى .
أما الشروط التي ينبغي توفرها في المعتكف :
فأولا : يشترط الإسلام ، فلا يصح الاعتكاف من كافر ؛ لأن الله - عز
وجل - أحبط الأعمال بالكفر ، كما قال عز وجل : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ
فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا } .
فأحبط الله الأعمال بالكفر، فلا يصح اعتكاف الكافر .
ثانيا : يشترط العقل ، فلا يصح الاعتكاف من مجنون ، ولا يصح الاعتكاف
من سكران غائب العقل.
وثالثا : يشترط النية ، فلا يصح الاعتكاف إلا بالنية ، فلو أنه دخل
المسجد ، ومكث فيه ليالي العشر، ولم يستحضر أنه معتكف ، ولم ينوِ
الاعتكاف ؛ فإنه يُعتبر متقربا لله - تعالى - ، مطيعا، ممتثلا ، ولكنه
ليس بمعتكف ؛ لأنه لم ينوِ الاعتكاف ، فلا يصح الاعتكاف إلا بنيّة ؛
لأن النبّي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما
نوى " .
كذلك يشترط في المعتكف : أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر من : الجنابة
، والحيض ، والنفاس ، فلا يصح الاعتكاف من الجُنُب ، وكذلك الحائض
والنفساء ، ولكن المعتكف إذا أجنب خرج واغتسل ، ثم رجع إلى المسجد ،
ولا يقطع ذلك اعتكافه ؛ لوجود العذر الشرعي .
وكذلك المرأة إذا اعتكفت ، ثم نزل عليها الحيض خرجت من مسجدها
واعتكافها .
كذلك أيضا يشترط في الاعتكاف : أن يكون في المسجد ، فلا يصح الاعتكاف
في غير المسجد ؛ لأن الله - تعالى - خص الاعتكاف في المساجد ؛ فقال
سبحانه : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } .
فدل على أن محل الاعتكاف إنما هو المسجد ، فإذا استتمّت هذه الشروط ؛
فإنه يحكم بصحة الاعتكاف واعتباره ، واختلف في شرط الصوم فالصحيح عدم
لزومه .