بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلا ريب أن المؤمن يبتلى في هذه الدنيا، تارةً بالأمراض وتارةً بالحاجة والفقر، وتارةً بتعسر الأعمال التي تعينه على لقمة العيش، وتارةً بغير ذلك، فالواجب على المؤمن عند الابتلاء التحمل والصبر ولزوم الحق والحذر مما حرم الله -عز وجل-، وقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، فعليك يا أخي أن تشكر الله على ما يسر من النعمة والسراء، وأن تتحمل الصبر على ما يسوءك من قلة العمل أو صعوبة العمل، أو صعوبة لقمة العيش أو غير هذا مما يسوء الإنسان، لا بد من الصبر والتحمل. وأما استخارتك في عملٍ اشتبه عليك أمره هل تعمله أو ما تعمله فلا بأس، مشروعة الاستخارة في الأمور التي تشتبه، كأن يريد السفر ويشتبه عليه السفر هل هو صالح أم لا فيستخير، أو يريد الزواج من امرأة من بني فلان فيستخير هل زواجه بها مناسب طيب أم لا، أو يريد معاملة إنسان في تجارة فيستخير هل معاملته مناسبة أم لا، لا بأس، فهذا العمل الذي استخرت فيه إذا كان قد اشتبه عليك ولم تعلم أنه مناسب، واستخرت الله -جل وعلا- أن يشرح صدرك بما يرضيه، وأن يسهل لك هذا الأمر إن كان صالحاً مباحاً فهذا لا بأس، ثم إذا تبين لك بعد ذلك أن العمل غير صالح فلا مانع حينئذٍ من أن تستقيل وتؤثر ما عند الله، بل يجب عليك ذلك، ولكن بعد التثبت بعد سؤال أهل العلم بعد التبصر، فإذا ظهر لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أن هذا العمل لا يجوز، كالعمل في بنوك الربا، وكالعمل في بيع الخمور وبيع التدخين أو حق اللحى أو ما أشبه ذلك مما هو محرم، فإذا عرفت أن العمل محرم فاترك ذلك، ويعطيك الله أبرك منه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 3]، ويقول -سبحانه وتعالى-: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً[الطلاق: 4]، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (من ترك شيئاً لله) وفي لفظ: (من ترك شيئاً اتقاء الله عوضه الله خيراً منه)، فإذا كان هذا العمل اتضح لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أنه عملٌ لا يجوز فعليك أن تستقيل منه، وتلتمس عملاً آخر ولا تقل أنا ما أستطيع، ليس لك أن تعيش من الحرام، بل عليك أن تلتمس الحلال ولو سألت الناس عند الضرورة، ولو سألت الناس عند الضرورة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لقبيصة بن مخارق لما سأله: (يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٌ تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجلٌ أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: فداداً من عيش ثم يمسك، ورجلٌ أصابته فاقة يعني حاجة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش)، وإذا كنت لست من أهل الغناء السابق، بل أنت من أهل الحاجة ولست من أهل الثروة، فأنت أعلم بنفسك، تحل لك المسألة من أجل الحاجة والفاقة، ولو ما شهد لك ثلاثة، ما دمت تعلم أنك من أهل الفاقة وأنه ليس عندك شيءٌ يقوم بحالك فلا مانع من أن تسأل ذوي الخير ومن تظن أنهم يستجيبون إما لأعطاءك من الزكاة، وإما مما أعطاهم الله من المال، حتى تجد ما يغنيك، ولا تحل بل تسأل ما يسد الحاجة، ومتى حصل لك ما يسد الحاجة كففت عن السؤال إلى وقتٍ آخر تحتاج فيه مع طلب العمل والجد في طلب العمل وطلب الرزق بالوسائل والطرق التي تستطيعها مما أباح الله -عز وجل -، أما أن تبقى في عملٍ محرم لأنك فقير فليس لك ذلك، وفق الله الجميع. سماحة الشيخ: إذا كان العمل يختلط حلاله بحرامه، ما الحكم والحالة هذه؟ ينظر في الأمر إن أمكنه أن يقتصر على الحلال ويميزه من الحرام يعمل بذلك، وإن كان لا يتمكن إلا من الحرام مع الحلال ....... يستقيل ويبتعد. المذيع/ نفس الحكم السابق. نعم.