التوفيق بين حديثين ظاهرهما التعارض

كيف نوفق بين الحديثين التاليين: قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) رواه أبو داود، وحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعناه: (المجتهد إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد)، وفقوا بين الحديثين؛ لأن في ذلك عندي إشكال؟

الإجابة

ليس بينهما بحمد الله تعارض، بل المعنى واضح، فالحديث الأول فيمن قضى للناس على جهل ما عنده علم، يقضي للناس على غير علم فهذا متوعدٌ بالنار، وهكذا الذي يعلم الحق ولكن يجور من أجل الهوى لمحبته لشخص أو لرشوة أو لأشباه ذلك فيجور في الحكم هذان في النار، لأن الأول ما عنده علم ما عنده آلة يقضي بها، جاهل فليس له القضاء، والثاني تعمد الجور والظلم فهو في النار، أما الأول فهو الذي عرف الحق وقضى به فهو في الجنة. أما حديث الاجتهاد حديث عمرو بن العاص وما جاء في معناه وهو في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر)، هذا في العالم الذي يعرف الأحكام الشرعية، ليس بجاهل، ولكن قد تخفى عليه بعض الأمور، وتشتبه عليه بعض الأمور، فيجتهد ويتحرى الحق وينظر في الأدلة من القرآن والسنة ويتحرى الحكم الشرعي فلا يقدر أنه يصيبه، فهذا له أجر الاجتهاد، ويفوته أجر الصواب، لأنه عالم صالحٌ للقضاء ولكن فيه بعض المسائل قد يغلط بعد الاجتهاد والتحري والنية الصالحة، فهذا يعطى أجر الاجتهاد ويفوته أجر الصواب. الثاني اجتهد وطلب الحق واعتنى بالأدلة وليس له قصدٌ سيء بل هو مجتهد طالب للحق فوفق له واهتدى له وحكم بالحق فهذا له أجران، أجر الإصابة، وأجر الاجتهاد. فليس بين الحديثين تعارض، الأول في الجاهل الذي ما عنده علم، والثاني في الذي عنده علم وهو صالحٌ للقضاء ولكن قد تشتبه عليه بعض الأمور في بعض المسائل، فيجتهد ويتحرى، وينظر في الأدلة، ثم يحكم بما ظهر له أنه الصواب، ولكن قد يظهر له أنه الصواب ولكن ما يوفق في الصواب، ما يكون هو الصواب.