الحلف بغير الله هل هو شرك أكبر أم أصغر؟

لقد قرأت في كتاب جديد للعلامة الفاضل الشيخ: عبد العزيز المحمد السلمان، أن الحلف بغير الله شرك أصغر، ولكن بعض الأئمة قالوا: إنه شرك أكبر، ومن فعل ذلك فقد خرج عن الملة؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن الشرك نوعان: أكبر، وأصغر، بإجماع المسلمين قال الله -عز وجل- في الشرك الأكبر: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[الأنعام: 88] وقال -سبحانه-: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الزمر: 65] وقال -سبحانه-: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء[النساء: 48]، فهذه الآيات وأشباهها في الشرك الأكبر، ومنه دعاء الأموات والأصنام والأشجار والأحجار والنجوم والجن والملائكة ونحوهم، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك هذا من الشرك الأكبر، وهكذا اعتقاد أن هؤلاء يصلحوا للعبادة، وإن لم يدعهم، إذا اعتقد أن هؤلاء يدعون من دون الله ويستغاث بهم وأنه لا بأس بذلك يكون شرك أكبر، وإن لم يفعل، وهكذا اعتقاد السر في حي من الأحياء أنه ينفع ويضر دون الله، وأنه يصلح إلى أن يعبد من دون الله ولو كان حياً، كما يفعله بعض ضلال الصوفية بمشايخهم، فهذه وأشباهها من الشرك الأكبر، وهكذا ما يفعله بعض الناس مع الجن؛ يدعوهم وينذر لهم ويذبح لهم خوفاً من شرهم، هذا أيضاً من الشرك الأكبر، وهكذا ما يفعله بعض الناس مع الرسل والأنبياء والملائكة يدعوهم، يستغيثون بهم ينذرن لهم هو من الشرك الأكبر، قال الله -عز وجل-: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106] يعني المشركين، وقال -سبحانه وتعالى-: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن: 18]، وقال -عز وجل-: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ[فاطر: 13-14] فسماه شركاً، دعوة غيره، سماه شركاً، وقال سبحانه وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[المؤمنون: 117]، فسمى دعاة غير الله كفاراً. أما الشرك الأصغر فقد بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدة أحاديث منها حديث محمود بن لبيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء، يقول الله يوم القيامة للمرائين: اذهبوا يا من كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء)، وهذا الحديث صحيح رواه جماعة من أهل العلم بأسانيد صحيحة، فهو يدل على أن الشرك فيه أصغر وأكبر، فالريا من جنس الشرك الأصغر، وهو الذي يقرأ يرائي، أو يصلي بعض الصلوات يرائي الناس، أو يسبح ويهلل يرائي، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به)، وقال جماعة من علماء التفسير عند قوله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[الكهف: 110] نزلت في المرائين، هذا الرياء إذا وقع من المسلم في بعض الأعمال هو شرك أصغر، وهكذا إذا عادوا المريض أو فعل أي عبادة من العبادات التي يتقرب إلى الله تعالى فعلها من أجل الرياء، أو من أجل السمعة كان شركاً أصغر. أما إذا كان فاسد العقيدة كالمنافقين الذين يعتقدون تكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإنكار ما جاء به من الهدى، أو الشك في ذلك، ثم يصلون مع الناس، ويصومون ويراءونهم بهذا فهذا شكر أكبر، فهذا رياء أكبر لأنه فاسد العقيدة، إنما أظهروا ما أظهروا تقية ورياءً، فهم كفار كفراً أكبر لفساد العقيدة، كما قال -عز وجل-: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء[النساء: 142-143] عندهم شك وريب وتردد فصاروا كفاراً كفراً أكبر، وقال في حقهم في الآخرة: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا[النساء: 145] بسبب كفرهم الأكبر واعتقادهم الفاسد. ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) رواه الإمام أحمد في المسند من حديث عمر -رضي الله عنه- بسند صحيح، وخرج أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر) هكذا الشك من الراوي، أو المعنى وكفر، ....... بمعني وقع في الكفر والشرك جميعاً، هذا عند أهل العلم شركٌ أصغر؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقرهم على الحلف بغير الله في أول الإسلام، ولم ينههم عن ذلك، ثم نهاهم بعد ذلك، فلو كان شركاً أكبر لم يقرهم عليه؛ لأن الله بعثه بإنكاره من حين بعثه في مكة، فلما أقرهم عليه دهراً من الزمان، ثم نهاهم في المدينة بعد ذلك، دل على أنه شركاً أصغر، فلو كان أكبر لما أذن فيه أبداً، بل نهي عنه من أول وهلة، وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان، أو لولا الله وفلان، فهذا أيضاً من الشرك الأصغر، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان) ولما جاء في حديث عتيلة عند النسائي أن اليهود كانوا يقولون للمسلمين: (إنكم تشركون) وفي لفظ: (إنكم تنددون تقولون ما شاء الله وشاء محمد، وتقولون: والكعبة) فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: (ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد)، وفي لفظ أن يقولوا: (ما شاء الله، ثم شئت)، وفي لفظ قال لهم: (قولوا: ما شاء الله وحده) فهذا كله يدل على أن هذه الأمور من الشرك الأصغر، وأن الكمال أن يقول: ما شاء الله وحده، فإن قال: ما شاء الله ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان فلا بأس بذلك، وفي حديث الأبرص والأقرع والأعمى في الصحيحين أن الملك الذي جاءهم بعدما عافهم الله من البرص والقرع والعمى جاء يسألهم يقول: لا بلغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، فدل على جواز مثل هذه العبارة. لكن لو اعتقد من حلف بغير الله أن هذا المحلوف به يتصرف في الكون، أو ينفع ويضر دون الله، أو أن له مثل عظمة الله، صار شركاً أكبر، ومن قال من العلماء: إنه شرك أكبر فمرادهم إذا عظمهم كتعظيم الله، أو اعتقد فيهم ما يصلح أن يعبد الله به، أو أنه ينفع ويضر دون الله، أو ما أشبه من العقائد الباطلة، فإن حلف به على هذا الاعتقاد صار شركاً أكبر، أما إذا جرى على لسانه الحلف بغير الله، كعادة جرت عليها جماعته وأهله وبلاده، أو جرى عليها سابقاً أو اعتادها سابقاً، ولم يقصد أنه معظم كعظمة الله، أو أنه يتصرف في الكون، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله لا، لم يعتقد هذا الاعتقاد ولكن جرى على لسانه هذا الحلف بغير الله، كعادة كثير من الناس فهذا من الشرك الأصغر، ويوجد كثير من الناس اعتادوا هذا البلى، وقد ينسب إلى العلم لكن لأن العادة غلبت عليهم فيتكلمون بهذا، فتجدهم يقولون: والنبي، والأمانة، بالنبي، بالأمانة، مع أنه من طلبة العلم، ومن أهل العلم، لكن غلبت على لسانه واعتادها، فينسى عند الكلام ويتكلم بها، فهذا كله من المنكر والغلط، وكله من الشرك الأصغر، والواجب التنبيه عليه والتحذير منه وأن لا يتساهل فيه، فمن قال: إنه شرك أكبر فله وجه كما تقدم، ومن قال: إنه شرك أصغر فهذا هو الأصل، أنه شرك أصغر كما قال الشيخ عبد العزيز السلمان، ومن قال: إنه شرك أكبر كما حكاه السائل عن بعض العلماء فمراده والله أعلم ما ذكرنا، من حلف بغير الله معظماً كتعظيم الله، أو معتقداً فيه أن يصلح للعبادة، أو ينفع ويضر، أو ما أشبه ذلك من العقائد الباطنة، والله أعلم.