هل من يصلي منفرداً لا يقبل الله صلاته ويكون من المشركين

السؤال: قال الخطيب في خطبة الجمعة: "إن الصلاة في جماعة المسجد تعادل سبعاً وعشرين صلاة"، وهذا معروف، لكنه قال: "إن الله لا يقبل صلاة الفرد خارج المسجد، ويكون من المشركين والعياذ بالله"! فهل هذا صحيح؟ مع ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة؟ وما حكم الصلاة في المنزل أو في أي مكان خارج المسجد؟

الإجابة

الإجابة: الشق الأول من سؤالك تقول: إن الخطيب ذكر أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين صلاة، وهو كما قال.

الشق الثاني قوله: "إن من صلى فإنه لا صلاة له، ويكون مشركاً"، فقوله: "يكون مشركاً" لا يصح هذا الكلام! اللهم إلا بالمعنى الأعم، أن كل من اتبع هواه بمخالفة أمر الله عز وجل فإنه يكون فيه نوع من الإشراك، لكنه ليس هو الشرك الذي يطلق عليه أنه شرك في القرآن، والسنة، وكلام أهل العلم.

وأما قوله: "بأنها لا تقبل صلاته" فإن هذا قول لبعض أهل العلم، أن من صلى في بيته بدون عذر فإنه لا صلاة له، وهذا القول ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن عقيل أحد أتباع الإمام أحمد رحمه الله، وحجة هؤلاء من الأثر والنظر.

* أما الأثر فهو ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر".
* وأما من النظر فقالوا: إن صلاة الجماعة واجبة، وإن من ترك واجباً في العبادة بدون عذر بطلت تلك العبادة بهذا الترك.

ولكن هذا القول مرجوح، والراجح أن المصلي في بيته تاركاً للواجب من غير عذر آثم وعاص، وإذا استمر على ذلك صار فاسقاً تسقط ولايته وشهادته، كما ذهب إليه كثير من أهل العلم، ولكن صلاته تصح، ويدل لذلك حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة، في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، فإن التفضيل لصلاة الجماعة يدل على أن في صلاة الفذ أجراً، ومادام فيها أجر فإنه يدل على صحتها، لأن ثبوت الأجر فرع عن الصحة، إذ لو تصح لم يكن فيها أجر، لكنه بلا شك آثم عاص يعاقب على ذلك إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، أو يعفو الله عنه.

وعلى كل حال فإن الصلاة في البيت بدون عذر أمر محرم، لا يحل للمسلم فعله، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما يتخلف عنها إلا منافق أو معذور"، والمؤمن لا ينبغي له أن يتصف بعمل المنافقين، الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.

وأما إذا أقامها جماعة في البيت فهذا محل خلاف بين أهل العلم أيضاً.
فمهنم من رخص له في ذلك، وقال: إن الجماعة قد حصلت، وهذا هو المقصود، ولكن هذا القول الضعيف.

والصواب أنه لابد أن يصلي الإنسان في المسجد، ولا يجوز له التخلف حتى ولو صلى جماعة في البيت، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم"، فقوله: "إلى قوم" يشمل ما إذا صلوا في بيوتهم جماعة، أو كل واحد منهم منفرداً.

ثم إنه ثبت في صحيح مسلم أن ابن أم مكتوم قال: يا رسول الله: إنني رجل أعمى، وليس قائد يقودني إلى المسجد، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ولى دعاه وقال له صلى الله عليه وسلم: "أتسمع النداء" قال: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: "فأجب"، فلو كان يجوز أن يقيم الجماعة قي بيته لأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، ولم يأمره بالحضور إلى المسجد، ثم إن الجماعة إذا أقيمت في البيت، فات بعض المقصود من مشروعيتها وإيجابها على المسلمين.

.. فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يحضر إلى بيوت الله عز وجل ويؤدي الصلاة مع جماعة المسلمين، وأن يخرج من بيته متطهراً، قاصداً المسجد فإنه إذا فعل ذلك لم يخرجه إلا للصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا دخل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه، تقول: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، فلا ينبغي للمسلم أن يفرط في هذه المثوبة العظيمة، فإنه سوف يحتاج إليها في يوم لا يستطيع أن يحصل عليها، نسأل الله تعالى أن يعيننا وإخواننا المسلمين على ذكره، وشكره، وحسن، عبادته، والله الموفق.



مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - المجلد الخامس عشر - باب صلاة الجماعة.