كشف الوجه أمام أبناء العم

ما حكم كشف الوجه على بعض أبناء العمومة، وذلك بسبب أننا نعيش جميعاً في منزل واحد، إذ من الصعب تغطية الوجه، أما باقي الأعضاء فالحمد لله مغطى، وأنا لا أضع أي نوع من المساحيق في وجهي، مع العلم أننا لا نأكل جميعاً على مائدة واحدة، بل النساء منعزلات عن الرجال،

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن المرأة عورة، يجب عليها الحجاب عن غير محارمها، ولا يجوز لها إبداء الزينة لغير محارمها، سواءٌ كانوا من بني العم أو بني الخال أو من غيرهم، يجب الحجاب عنهم وإن كانوا أقرباء، إذا لم يكونوا محارم؛ لقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (53) سورة الأحزاب، هذه الآية عامة تعم جميع النساء، وإن كان الخطاب لأزواج النبي -رضي الله عنهن- وصلى الله عليه وسلم، ولكن غيرهن من باب أولى، فإذا أُمر أتقى النساء بذلك فغيرهن من باب أولى! ثم بيَّن العلة التي تعم الجميع قال: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) إذا كان أطهر لقلوب الصحابة، وهم الأخيار خير هذه الأمة بعد الأنبياء، وأطهر لقلوب الصحابيات من أمهات المؤمنين وغيرهن، فغيرهن في حاجة إلى هذه الطهارة، بل في أشد الضرورة إلى هذه الطهارة، ويقول جلَّ وعلا في آية أخرى من سورة النور: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) الآية (31) سورة النور، والزينة هي الزينة الظاهرة والباطنة، وأعظمها الزينة الخلقية، زينة الوجه، والشعور والذراع واليد والساق، والقدم ونحو ذلك، هذه الزينة التي تفتن الناس، أما زينة الملابس فقد تفتن لكنها دون هذه الأشياء، وإذا ظهرت إلى غير محارمها يكون عليها ملابس غير فاتنة، وهكذا في الأسواق تكون ملابس عادية ليس فيها فتنة، ولكن الأعظم من ذلك ظهور الزينة الخَلقية زينة الوجه أو اليد أو الشعور أو الساق أو الذراع أو القدم كل هذه تحتاج إلى ستر؛ لأن الآية عامة (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) الآية، وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت -رضي الله عنها- لما سمعت صفوان يسترجع لما رآها في السفر حين تخلفت خلفها الغزو يحسبونها في الهودج قالت: (فلما سمعت صوته خمَّرت وجهي، وكان قد رآني قبل الحجاب فعرفني، فلما سمعت صوته خمَّرت وجهي)، فدل ذلك على أن نزول الحجاب يقتضي تخمير الوجه، وأنه يُخمَّر، وفي السنن عنها -رضي الله عنهما-: (أنهن كن في حجة الوداع إذا دنا منهن الرجال سدلت إحداهن جلبابها على وجهها، فإذا بعدوا كشفت)، فهذا يدل على أن الوجه مما يستر ومن الزينة التي يجب أن تستر، وهي أعظم زينة المرأة، تعرف بوجهها، إن كانت ذميمة قيل ذميمة وإن كانت جميلة قيل جميلة من وجهها، فهو أعظم الزينة، وأعظم من اليد وأعظم من الرجل وأعظم من الساق وأعظم من الشعر، فإذا وجب ستر الشعر فستر الوجه من باب أولى. أما الحديث الذي يحتج به بعض دعاة السفور وهو حديث عائشة في قصة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال يا أسماء: (إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) "وأشار إلى وجهه وكفيه". وهذا رواه أبو داود، وفي بعض الروايات عند غير أبو داود: "وأشار إلى نصف الساعد". هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي بل هو ضعيف وباطل من عدة أوجه، الوجه الأول: أن الراوي له عن عائشة هو خالد بن دريك وهو منقطع لم يسمع منها، كما قال أبو داوود رحمه الله وغيره، والمنقطع لا حجة فيه. الثاني: أنه من رواية سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته. الثالث: أنه من رواية قتادة بالعنعنة وقتادة مدلس، ولا تقبل روايته إذا دلس إلا إذا صرح بالسماع، إلا بما جاء في الصحيحين فروايته في الصحيحين معروفة ومنتقاة. الرابع: لو صح لكان محمولاً على حال النساء قبل الحجاب، لو صح، لكان محمولاً على حال النساء قبل الحجاب كُن يبدين وجوههن وأيديهن قبل نزول الحجاب، ثم أنزل الله الحجاب فمنعن من ذلك. خامساً: في متنه ما يدل على نكارته؛ لأن في الحديث أن عليها ثيابا رقاقاً! فهل يليق بأسماء أن تدخل على النبي بثياب رقاق زوج أختها؟ وهي امرأة من أصلح النساء زوجة الزبير بن العوام، فهذا لا يمكن أن يقع من أسماء، بل دينها وخلقها وعفتها وإيمانها يمنعها من هذا أن تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب الرقاق لا تسترها، ولا يجوز أن يُظن هذا بأسماء -رضي الله عنها وأرضاها-. فهذه وجوه خمسة كلها تدل على عدم صحة الاحتجاج بهذا الحديث، وتدل أربعة منها على عدم صحة الحديث، وأنه غير صحيح، والخامس لو صح لكان محمولاً على ما قبل الحجاب، والله ولي التوفيق.