إذا أمر الرجل أهله بالصلاة ولكنهم لم يستمعوا إليه

السؤال: ماذا يفعل الرجل إذا أمر أهله بالصلاة ولكنهم لم يستمعوا إليه، هل يسكن معهم ويخالطهم أو يخرج من البيت؟

الإجابة

الإجابة: إذا كان هؤلاء الأهل لا يصلون أبداً فإنهم كفار، مرتدون خارجون عن الإسلام، ولا يجوز أن يسكن معهم ولكن يجب عليه أن يدعوهم ويلح ويكرر لعل الله أن يهديهم، لأن تارك الصلاة كافر والعياذ بالله، بدليل الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والنظر الصحيح.

أما من القرآن فقوله تعالى عن المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، مفهوم الآية أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فليسوا إخواناً لنا، ولا تنتفي الأخوة الدينية بالمعاصي وإن عظمت ولكن تنتفي بالخروج عن الإسلام.

أما من السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة" (أخرجه مسلم)، وقوله في حديث بريدة رضي الله عنه في السنن: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".

أما أقوال الصحابة: فقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، والحظ: النصيب، وهو هنا نكرة في سياق النفي فيكون عاماً، لا نصيب لا قليل ولا كثير، وقال عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".

أما من جهة النظر الصحيح فيقال: هل يعقل أن رجلاً في قلبه حبة خردل من إيمان يعرف عظمة الصلاة وعناية الله بها ثم يحافظ على تركها؟؟! هذا شيء لا يمكن، وقد تأملتُ الأدلة التي استدل بها من يقول إنه لا يكفر فوجدتها لا تخرج عن أحوال أربع:

1 - إما أنها لا دليل فيها أصلاً.
2 - أو أنها قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.
3 - أو أنها قيدت بحال يعذر فيها بترك هذه الصلاة.
4 - أو أنها عامة فتخص بأحاديث كفر تارك الصلاة.

وليس في النصوص أن تارك الصلاة مؤمن، أو أنه يدخل الجنة، أو ينجو من النار ونحو ذلك مما يحوجنا إلى تأويل الكفر الذي حكم به على تارك الصلاة بأنه كفر نعمة، أو كفر دون كفر، وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر كفر ردة فإنه يترتب على كفره أحكام المرتدين ومنها:

أولاً: أنه لا يصح أن يزوج، فإن عقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل ولا تحل له الزوجة به، لقوله تعالى عن المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.

ثانياً: أنه إذا ترك الصلاة بعد أن عقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة، للآية التي ذكرناها سابقاً على حسب التفصيل المعروف عند أهل العلم بين أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده.

ثالثاً: أن هذا الرجل الذي لا يصلي إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته، لماذا؟ لأنها حرام، ولو ذبح يهودي أو نصراني فذبيحته يحل لنا أن نأكلها، فيكون والعياذ بالله ذبحه أخبث من ذبح اليهود والنصارى.

رابعاً: أنه لا يحل له أن يدخل مكة أو حدود حرمها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}.

خامساً: أنه لو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث منه، فلو مات رجل عن ابن له لا يصلي (الرجل مسلم يصلي، والابن لا يصلي)، وعن ابن عم له بعيد (عاصب) فالذي يرثه ابن عمه البعيد دون ابنه، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" [أخرجه البخاري: كتاب الفرائض/ باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ومسلم: كتاب الفرائض]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" [أخرجه البخاري: كتاب الفرلئض/ باب ميراث الولد من أبيه وأمه ( 6732 )، ومسلم: كتاب الفرائض/ باب ألحقوا الفرائض بأهلها]، وهذا مثال ينطبق على جميع الورثة.

سادساً: أنه إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، إذاً ماذا نصنع به؟ نخرج به إلى الصحراء ونحفر له وندفنه بثيابه، لأنه لا حرمة له، وعلى هذا فلا يحل لأحد مات عنده ميت وهو يعلم أنه لا يصلي أن يقدمه للمسلمين يصلون عليه.

سابعاً: أنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف [أخرجه الإمام أحمد في" المسند " 2/169]، أئمة الكفر والعياذ بالله، ولا يدخل الجنة، ولا يحل لأحد من أهله أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، لأنه كافر لا يستحقها لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.

فالمسألة خطيرة جداً، ومع الأسف فإن بعض الناس يتهاونون في هذا الأمر، ويقرون في البيت من لا يصلي وهذا لا يجوز، والله أعلم.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الصلاة.