حكم التداوي

مسألة التداوي، إن بعض أهل العلم قال: ما محصلته أنه لا يجب التداوي من مرض ولو ظن نفعه، وتركه أفضل، روي عن الإمام أحمد رضي الله عنه لأنه اقرب للتوكل ، ولخبر الصديق إلى أخره ، نرجو بسط القول في هذه المسالة ، وما هو خبر الصديق ، وما رأي سماحتكم؟

الإجابة

الصواب في التداوي أنه مستحب مشروع ذكره النووي وآخرون عن جمهور العلماء, وأن قول الأكثرين أنه مستحب, وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مستوي الطرفين لا يستحب ولا يكره بل هو حلال, وذهب آخرون إلى أن تركه أفضل, ويروى عن الصديق أنه لما قيل له الطبيب قال: "الطبيب أمرضني" ولكن لا أعلم صحة هذا عن الصديق، ولا أعرف صحته هذا عن الصديق, فالمقصود أن الذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصواب أن التداوي مستحب بالأدوية الشرعية المباحة التي ليس فيها حرام كالتداوي بقراءة القرآن, والرقية, التداوي بالكي التداوي عند عدم وجود دواء أخر الكي لا بأس به عند الحاجة, التداوي بالأمور المباحة لا بأس بذلك, وقد رقى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه, وقد رقاه جبرائيل-عليه الصلاة والسلام-, فالتداوي لا بأس به, والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام), فالتداوي أمر مشروع لا بأس ولا ينافي التوكل, فالتوكل يشمل أمرين الاعتماد على الله, والتفويض إليه مع تعاطي الأسباب, ولا يجوز للإنسان أن يقول أنا أتوكل ولا آكل ولا أشرب, ولا أتسبب, ولا أبيع, ولا أشتري, ولا أتعاطى زراعة, ولا صناعة ولا غيره لا ، هذا غلط تعاطي الأسباب لا ينافي التوكل بل هو من التوكل, وهكذا التداوي من التوكل, ولهذا أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التداوي, وسئل عن الرقى والأدوية قال هي من قدر الله، وقال عمر - رضي الله عنه - لما أتى الشام وبلغه حصول الوبى في الشام الطاعون انصرف للناس ورجع بهم, وقال: نفر من قدر الله إلى قدر الله, ثم أبلغه عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه), فسر بذلك حيث وافق السنة, فالمقصود أن التداوي أمر مشروع على الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم ومن تركه فلا حرج عليه, وإذا ظن نفعه واشتدت الحاجة إليه تأكد؛ لأن تركه يضر و يتعب نفسه, ويتعب أهله, ويتعب خدامه, فالتداوي فيه مصالح لنفسه ولأهله, ولأن التداوي يعنيه على أسباب الشفاء, ويعينه على طاعة الله حتى يصلي في المسجد حتى يقوم بأمور تنفع الناس وتنفعه, فإذا تعطل بسبب المرض تعطلت أشياء كثيرة, وإن كان يثاب عما كان يعمله في حال الصحة في حال المرض كما في الحديث الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صاحياً مقيماً) هذا من فضل الله-جل وعلا-، ولكن التداوي فيه مصالح كثيرة إذا كان بالوجه الشرعي والأدوية المباحة هذا هو الصواب, ومن قال إنه مستوي الطرفين, أو أن تركه أفضل فقول مرجوح والحق أحق بالإتباع, والأدلة الشرعية مقدمة على كل أحد وفق الله الجميع. سماحة الشيخ هناك من يحتج في هذا الباب بحديث السبعين الألف الذي يدخلون الجنة بغير حساب؟ هم ما تركوا الأسباب, إنما تركوا شيئاً وهو الاسترقاء طلب الرقية من الناس تركها أفضل، تركوا الكي وتركه أفضل لكن عند الحاجة لا بأس النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشفاء في ثلاث كية نار, أو شرطة محجم, أو شربة عسل وما أحب أن أكتوي), وفي لفظ آخر قال: (وأنا أنهى أمتي عن الكي), وقد كوى - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه, إذا دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس هو سبب مباح عند الحاجة إليه والاسترقاء طلب الرقية, أما إذا رقى من دون سؤال فهو من الأسباب لا بأس ولا كراهة في ذلك، أما الطرة في حديث السبعين لا يسترقون, ولا يكتوون، ولا يتطيرون، الطرة محرمة وشرك أصغر، وهي التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات حتى يرجع عن حاجته، هذا لا يجوز، وعلى ربهم يتوكلون، هذا يشمل المتداوي وغيره، فإن التوكل لا يمنع تعاطي الأسباب، ألا ستأكل، وألا ستشرب، الأكل سبب للشبع، ولقوام هذا البدن وسلامته، وهكذا الشرب، فلا يجوز للإنسان أن يقول: أن لا آكل ولا أشرب ويقول: أنا أتوكل على الله في حياتي، وأبقى صحيحاً سليماً لا يأكل ولا يشرب، هذا لا يقبله عاقل، هكذا يلبس الثياب الثقيلة في الشتاء للدفء، لأنه يضره البرد، وهكذا يتعاطى الأسباب الأخرى من إغلاق الباب حذراً من السراق، من حمل السلاح عند الحاجة، كل هذه أسباب مأمور بها، لا تنافي التوكل، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين في أحد لبس السلاح، لبس اللامة، وفي بدر كذلك، وفي أحد ظاهر بين درعين، لبس درعان وعليه المغفر حين دخل مكة، وعليه البيضة في أحد، كل هذه أسباب فعلها صلى الله عليه وسلم.