حكم قطع عرق النسا

السؤال: أنا شاب من بلد عربي مريض بي عرق النسا، وذهبت إلى أحد الرِّجال لقطع عِرْق النَّسا، لكن أنا حائر من هذا هل هو حلال أم حرام؟

الإجابة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإذا كانتْ طريقةُ العلاج المذكورة في السؤال مِمَّا وصفها الأطبَّاء الثِّقات لعلاج عِرْق النَّسا، بِحيثُ إنَّه لا يترتَّب أيُّ ضَرَرٍ على المَريض، فلا بأسَ من التَّداوي بِها عندَ المُختصِّين من أهل الطِّبِّ؛ وقد روى أبو داود أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إنَّ اللَّه أنزل الدَّاء والدواء، وجعَلَ لِكُلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوْا ولا تتداوَوْا بِالحرام".

وعن أُسامة بن شَريك رضي الله عنه قال: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: "نعم، عبادَ الله، تداوَوْا، فإنَّ الله لم يَضَعْ داءً إلا وَضَعَ له شِفاءً إلا داءً واحدًا، قالوا: يا رسولَ الله، وما هو؟ قال: الهَرَم" (رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الشيخ الألباني: حديثٌ صحيح).

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في "مجموع فتاوى": "يَجوزُ التَّداوي اتِّفاقًا، ولِلْمُسْلِم أن يذهبَ إلى دكتور أمراضٍ باطنيَّة أو جراحيَّة أو عصبيَّة أو نَحو ذلك؛ ليشخِّص له مرضَه ويُعالِجَه بِما يُناسِبُه من الأدوية المُباحة شرعًا، حسبما يعرفه في عِلْم الطِّبِّ؛ لأنَّ ذلك من باب الأخْذِ بالأسباب العادية، ولا يُنافي التَّوكُّل على الله، وقد أنزل اللهُ سبحانه وتعالى الدَّاء وأنزل معه الدَّواء، عَرف ذلك مَن عَرَفَه، وجهِلَهُ مَن جهِلَه، ولكنَّه سُبحانه لم يَجعلْ شِفاءَ عبادِه فيما حرَّمه عليْهِم، فلا يَجوزُ لِلمريض أن يذهب إلى الكَهَنَةِ الذين يدَّعون معرِفَة المغيَّبات ليَعْرِفَ منهم مَرَضَه".

هذا، ومن هَدْيِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في علاج عِرْق النَّسَا: ما رواه أنس بن مالك قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: "شفاءُ عِرْق النَّسا ألية شاة أعرابيَّة تُذَابُ ثم تُجَزَّأ ثلاثةَ أجزاءٍ، ثُمَّ يُشرب على الرِّيق في كل يوم جزء" (رواه الإمام أحمدُ وابن ماجه، وقال البوصيري في "الزوائد": إسنادُه صحيح ورجاله ثقات، وصحَّحه الألباني).

قال ابن القيم في "الهدي": "فإنَّ هذا العلاج من أنْفَعِ العِلاج لَهُمْ فإنَّ هذا المَرَضَ يَحدث من يبس، وقد يَحدث من مادَّة غليظة لزجة فعلاجُها بالإسهال، والألية فيها الخاصِّيتان: الإنضاج والتلْيِين، ففيها الإنضاجُ والإخراجُ، وهذا المَرَضُ يَحتاجُ عِلاجُه إلى هَذَيْنِ الأَمْريْنِ، وفي تَعيين الشاة الأعرابيَّة لقلَّة فُضولِها وصِغَرِ مِقدارِها، ولطف جوهرها وخاصية مرعاها؛ لأنها تَرْعَى أعشابَ البَرِّ الحارَّة" انتهى.

أمَّا إذا كان المقصودُ بِقَطْعِ عِرْق النَّسا أيْ عِلاج عرق النسا بقطع جذر نبتة تُعْرَف بنَفْسِ الاسم؛ حيث يقومُ شخصٌ ما فيقطعُ جِذْرَ تِلْكَ النَّبتة عند سَماع الأذان ولا يتكلَّم عند ذَهابه لقطْعِها أو إيابه، ويُسَمِّي المَريضَ بِنِسْبَتِه إلى أُمِّه، فإذا كان ذلك هو المَقصود فهو دَرْبٌ من الكهانة والشَّعوذة، فلا يَجوز العلاج بهذه الطريقة، ولا الذَّهاب إلى هذا الرَّجُل؛ قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أتى عرَّافًا أو كاهنًا فصدَّقه بِما يقول فقد كَفَرَ بِما أُنْزِلَ على مُحمَّدٍ" (رواه أحمد)، وفي لفظ: "مَنْ أتى عرَّافًا فسأله عن شَيْءٍ لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يومًا" (رواه مسلم)،، والله أعلم.