جلسات مختلطة وسواليف

السؤال: في بلادي للأسف يقال أنها دولة "مسلمة ديمقراطية" وسكانها مسلمون، ولكن التجمعات العائلية الأسبوعية والحفلات بأنواعها والأعراس أغلبها فيها منكرات واختلاط، وجلوس الأب وزوجته وابنه وابنته مع أخت الزوجة وزوجها وأبنائهما، ويأكلون مع بعض على مائدة واحدة متقابلين، ومن ثم يجلسون لشرب الشاي والقهوة والحلويات مع بعض، ويتضاحكون ويتحدثون بأمور كثيرة متنوعة (سوالف وسواليف)، وكلهم بالغين عاقلين مسلمين، ويقولون هذا حلال لأنه لا يوجد خلوة محرمة؛ والمحرم هي الخلوة فقط، وما دام المحرم موجود فهذا حلال طيب، مع الأخذ بالعلم أن البنات فتيات شابات وحجابهن هو الحجاب العصري (حجاب البنجابي) والمكياج والألوان والكعب العالي. أرجو أن تفيدني بإجابة شرعية من غير انحياز لي ولطريقة سؤالي ووصفي للأشياء التي ذكرتها، لأنهم يقولون أننا محترمين ونعرف حدودنا؛ ولسنا بأطفال أو جهلة بديننا، فلدينا من الإطلاع والكتب ما لدينا، ونحن متعلمين وجامعيين.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإني أشكر للسائل غيرته على حدود الله أن تنتهك، وحرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكنني لا أشاطره الرأي فيما أنسته في صيغة سؤاله من إنكار كون أولئك الناس مسلمين، والذي ينبغي أن يعلم أن هؤلاء القوم مسلمون لكنهم متلبسون بجملة من المعاصي واقعون في أنواع من التقصير، والتي قد يكون بعضها بسبب سوء الفهم للدين، وبعضها بسبب الإلف والعادة التي ورثوها من الآباء والأجداد، والذي ينبغي لك أيها السائل:
أولاً: أن تحرص على أن تتعلم أحكام دينك وتأخذ ذلك عن العلماء الثقات في بلدكم، وتتوسع في ذلك ما استطعت حتى تعرف كيف تجيب على الشبهات التي تطرح هنا وهناك.
ثانياً: عليك أن تدعو إلى الله تعالى وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لأنه لا سلطان لك على أولئك الناس، {فَذَكِّرْ‌ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ‌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ‌} (الغاشية: 21، 22)، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}‌ ﴿الشورى: ٤٨﴾، وفي هذا كله كن حاضر الحجة سريع البديهة مستعيناً بالله غير غضوب ولا هياب.
ثالثاً: مع وعظك إياهم بادلهم الهدايا وأكثر من الدعاء لهم، وإذا أنست منهم أو من بعضهم مكابرة وعناداً ومراء بالباطل ورغبة في الانتصار للنفس فأعرض عنهم، ولست مسئولاً عن معاصيهم، قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّ‌كُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ﴿المائدة: ١٠٥﴾.
رابعاً: أعلمهم أن الخلوة محرمة نعم، وكذلك الاختلاط لأنه لم يعرف من شرع المسلمين، بل الأمر على خلافه حيث فصل النبي صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء في الصلاة ومجالس العلم؛ بل حتى في دخول المسجد والخروج منه جعل للنساء باباً غير باب الرجال، وكذلك جلوس الفتاة أو المرأة أمام غير محارمها وهي متزينة متجملة لا يجوز، لأنه من أبواب الفتن التي أمر الشرع بإغلاقها وحذر منها.
خامساً: استعن بالله ولا تعجز، ولا يفت في عضدك كثرة المعرضين؛ فما زال في الدنيا خير كثير، وتذكر بارك الله فيك أن النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد؛ فعليك أن تستفرغ جهدك وتبذل طاقتك، ومن يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم، والله الهادي إلى سواء السبيل.