هل يمكن تكفير السيئات بترديد بعض الأحاديث

توجد بعض الأحاديث النبوية الشريفة من يقولها بعدد معين من المرات كانت له عتق عدد من الرقاب كما جاء في الحديث النبوي الشريف التالي: (من يقول لا إله إلا الله وحد لا شريك له الملك وهو على كل شيء قدير مائة مرة في اليوم كانت له كعتق عشر رقاب) هل يمكن للمسلم أن يكفر عما يرتكبه من أخطاء عن طريق قول هذه الأحاديث الشريفة، إذا كان إثمه يُكفر بعتق عدد من الرقاب قد يكون أقل من عشر؟ وهل يقصد بقول الحديث مائة مرة في اليوم أن يقولها في يوم واحد فقط أم يبقى يردد هذا الحديث طوال أيام حياته في كل يوم مائة مرة؟

الإجابة

هذا الحديث من جملة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد رواها الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من قال في يوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله) وهذا فضل عظيم وخير كثير من ربنا عز وجل، فمن أتى بهذا الذكر عن إيمان وعن صدق وعن إخلاص حصل له هذا الخير العظيم. وهل يكفر به جميع سيئاته؟ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّن عن الله أنه يمحى به مائة سيئة ويكتب الله له به مائة حسنة، ويكون عدل عشر رقاب يعتقها وعتق الرقاب يمحو الله به الخطايا؛ لكن ذكر جمع من أهل العلم أن هذا في غير الكبائر، أن الله يمحو به غير الكبائر لقوله تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) فالعبد إذا تجنب الكبائر كانت صلاته وطهوره ودعواته وأذكاره كفارة لسيئاته الصغائر، وقد يمن الله جل وعلا على العبد بهذه الأذكار فيمحو الله بها عنه حتى الكبائر. فينبغي للمؤمن أن تكون له نية صالحة وقصد صالح بهذه الأذكار، وإخلاص لله وصدق في معناها وهو توحيد الله والإخلاص له وعبادته وحده دون كل ما سواه، ثم يحمله هذا الإيمان وهذا التوحيد وهذا الإخلاص على أداء الفرائض، وترك المحارم والوقوف عند حدود الله حتى تكفر خطاياه كلها؛ لا مائة فقط بل تكفر كلها متى قال ذلك عن صدق وإخلاص وتوبة صادقة وإيمان صادق فإن الله يمحو به خطاياه. وبكل حال فهذا بشرى من الله عز وجل في أن هذا الذكر يكون بعدل عشر رقاب، وأن الله يمحو به مائة سيئة، ويكتب الله به مائة حسنة ويكون صاحبه في حرز من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي، هذا خير عظيم، والمقصود من الحديث أن هذا كل يوم ليس في السنة، بل كل يوم إذا قاله في كل يوم يحصل له الخير العظيم وهذا من فضل الله عز وجل. فينبغي للمؤمن أن يكثر من ذلك، وهكذا المؤمن يرجو ثواب الله ولكن ليس معنى ذلك أنه يُقْدم على المعاصي والسيئات، ويتعلق بهذا الحديث فإن إصراره على المعاصي قد يكون سبباً لحرمانه من المغفرة؛ لأن الله يقول سبحانه في كتابه العظيم في سورة الأعراف: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. فتنبه يا عبد الله في قوله: (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ). هذا جزائهم بسبب إخلاصهم لله، وعدم إصرارهم على المعاصي، وتوبتهم الصادقة من ذنوبهم وسيئاتهم. وفي هذا المعنى حديث آخر رواه الشيخان في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) وهذا أيضاً فضل عظيم، لكن هذا فيمن قاله عن إيمان وعن صدق وإخلاص لله سبحانه وتعالى وتوحيد. من أتى بها عن إيمان صادق وعن إخلاص لله وعند توحيد لله سبحانه، وإفراد له بالعبادة فإنها من أسباب تكفير السيئات وحط خطاياه. وقد سبق أن قلت لك أن هذا خصه بعض أهل العلم بمن تجنب الكبائر، وقالوا بالأحاديث المطلقة بتكفير الذنوب والسيئات إنها مختصة بمن تجنب الكبائر وقال بعض أهل العلم إنها عامة. فينبغي لك يا عبد الله أن تتحرز من الكبائر عملاً بقوله سبحانه وتعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) يعني الصغائر (وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) وروى مسلم في الصحيح رحمه الله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وفي لفظ (ما لم تغش الكبائر)، ولما توضأ - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا غفرت له خطاياه ما لم ... بمقتلة) والمقتلة هي الكبيرة، فدل ذلك على أن هذه المرتبة إنما تحصل له باجتنابه الكبيرة يعني كبائر الذنوب. والكبائر هي المعاصي العظيمة التي جاء فيها حد في الدنيا، كالزنا والسرقة ونحو ذلك، أو جاء فيها وعيد في الآخرة بالغضب واللعنة ونحو ذلك كعقوق الوالدين وقطعية الرحم وشهادة الزور وأكل الربا الغيبة النميمة السب والشتم ونحو هذا من المعاصي، وهكذا قتل النفوس بغير حق، وهكذا ظلم الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم كل هذا من الكبائر. فالواجب على المؤمن والمؤمنة اجتناب ذلك يجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة الحذر من هذه الكبائر، والابتعاد عنها وسؤال الله العافية منها مع الوقوف عند حدود الله فليؤد العبد الفرائض ويجتنب المناهي ويقف عند حدود الله.... هكذا يكون المؤمن وهكذا تكون المؤمنة، وهكذا يكون الخوف من الله والحذر والابتعاد عن أسباب الخطر.