المرأةُ والحِجَامَةُ

السؤال: هل يجوزُ للرَّجُل أن يُداويَ المرأةَ بالحِجَامَة؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثمَّ أمَّا بعدُ:
فالتَّداوي بالحِجَامَة مشروعٌ، وقد احْتَجَمَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلم وحَثَّ على الحِجَامَة، وبَيَّنَ أنَّها من خير الأدوية؛ ففي (الصَّحيحَيْن)، عن أَنَسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إنَّ أَمْثَلَ ما تَدَاوَيْتُمْ به الحِجَامَةُ". وروى البخاريُّ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "الشِّفَاءُ في ثلاثةٍ: شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أو شَرْبَةِ عَسَلٍ، أو كَيَّةٍ بِنَارٍ، وأَنْهَى أُمَّتي عنِ الكَيِّ". (رواه مُسْلِمٌ عن جابرٍ).

فدلت هذه الأحاديث على إباحة الحِجَامَة، وأنَّها من الأدوية النَّافعة بإذن الله تعالى.

أمَّا مُداوَاةُ الرَّجُلِ للمرأةِ بالحِجَامَة:
فالأصلُ أنَّ الرَّجُلَ يَحْجُمُ الرِّجالَ، والمرأةُ تَحْجُمُ النِّساءَ؛ إلاَّ عند ضرورةٍ مُلِحَّةٍ؛ كأنْ لم تُوجَد امرأةٌ تقُومُ بهذا العمل سواءٌ أكانت مسلمةً أو كافرةً وكان المرضُ يُمثِّلُ خطرًا على الحياة أو يُخْشَى بسببه ذهابُ عُضْوٍ أو حاسَّةٍ، ولم يمكنْ تأخيرُه حتى الوصول إلى مكانٍ فيه امرأةٌ تستطيعُ القيامَ بهذه المهمَّة؛ فلا حَرَجَ إن شاء الله في أن تَكْشِفَ له عمَّا دَعَتْ إليه الضَّرورةُ منْ جَسَدِهَا، وأن تَسْتُرَ ما عَدَاهُ سَتْرًا جيِّدًا، بشَرْط أن يكونَ ذلك في حضور مَحْرَمٍ لها، وأن يكونَ المُعَالِجُ أمينًا دَيِّنًا.

قال الخطيبُ الشِّربينيُّ في (مُغْني المُحْتاج): "واعلم: أنَّ ما تَقدَّم من حُرْمَةِ النَّظَرِ والمَسِّ، هو حيث لا حاجة إليهما، وأما عند الحاجة؛ فالنَّظَرُ والمَسُّ مُباحان لفَصْدٍ، وحِجَامَةٍ، وعلاجٍ، ولو في فَرْجٍ؛ للحاجة المُلْجِئة إلى ذلك!! لأنَّ في التَّحريم حَرَجًا، فللرَّجُل مُداوَاةُ المرأة، وعكسُهُ، وليَكُنْ ذلك بحَضْرَةِ مَحْرَمٍ، أو زوجٍ ... ويُشْتَرَطُ عَدَمُ امرأةٍ يمكنُها تعاطي ذلك من امرأةٍ، وعكسُه ... ولو لم نَجِدْ لعلاج المرأة إلا كافرةً ومسلماً؛ فالظَّاهرُ كما قال الأَذْرَعِيُّ: أنَّ الكافرةَ تُقَدَّمُ؛ لأنَّ نَظَرَهَا ومَسها أَخَفُّ منَ الرَّجُلِ". انتهى.

قال العِزُّ بنُ عبد السَّلام رحمه الله في (قواعد الأحكام): "سَتْرُ العَوْرَات واجِبٌ، وهو من أفضل المُرُوءات، وأجمل العادات، ولاسِيَّما في النِّساء الأجنبيَّات، لكنَّهُ يجوزُ للضَّرورات والحاجات. أمَّا الحاجاتُ: فَكَنَظَرِ كلِّ واحدٍ من الزَّوْجَيْن إلى صاحبه, ونَظَرِ الأطبَّاء لحاجة الدَّواء.

وأمَّا الضَّروراتُ: فَكَقَطْعِ السِّلَعِ المُهْلِكَات، ومُداوَاةِ الجَراحَات المُتْلِفات.

ويُشْتَرَطُ في النَّظَر إلى السَّوْءات لقُبْحِها من شِدَّة الحاجة ما لا يُشْتَرَطُ في النَّظَر إلى سائر العَوْرَات.

وكذلك يُشْتَرَطُ في النَّظَر إلى سَوْءَة النِّساء منَ الضَّرورة والحاجة ما لا يُشْتَرَطُ في النَّظَر إلى سَوْءَة الرِّجال، لِمَا في النَّظَر إلى سَوْءَاتِهِنَّ من خوف الافْتِتان.

وكذلك ليس النَّظَرُ إلى ما قارَبَ الرُّكْبَتَيْن منَ الفَخِذَيْن، كالنَّظَرِ إلى الأَلْيَتَيْن". انتهى.

قال القاضي أبو يَعْلَى: "يجوزُ للطَّبيب أن يَنْظُرَ منَ المرأة إلى العَوْرَة عند الحاجة إليها. نصَّ عليه - أي: الإمامُ أحمد - في رواية المَرْوَزِيِّ، وحَرْبٍ والأَثْرَم، وكذلك يجوزُ للمرأة". انتهى.