هل يجوز لولد أن يأكل من مال والديه الحرام؟

السؤال: من يعرف أن لوالديه مصادرَ للمال غير حلال، وقال لهم ذلك، وتأولوا له، هل يجوز له الأكل معهم علماً أنه صار له هو مصدر للرزق من الحلال ولكن يريد الأكل معهم بروراً لهم؟

الإجابة

الإجابة: الجواب أن ذلك إذا كان غالباً على مالهما بأن كان جل ما لهما من حرام فعليه أن لا يأكل من ذلك المال حتى يطهره، لكن عليه أن ينصح والديه بالخروج من ذلك المال الحرام، وقد سبق أن بيَّنتُ في عدد من الدروس أن الفتوى التي كتبتها في هذا المجال في تطهير المال الذي أصله حرامٌ قد وافق عليها كثير من أهل العلم، وهي إعانةٌ على التوبة وتسهيل في هذا الأمر، وصورتها أن من لديه مال من الحرام وأراد التوبة منه ولكنه لا يستطيع الخروج منه دفعة واحدة لما في ذلك من الضرر المادي والاعتباري عليه وعلى أولاده، فإنَّ عليه أن يدعو عدلين من المسلمين، فالعدلان من المسلمين يقومان مقام الغُيَّبِ، ومقام المسلمين في التصرف في مالهم لقول الله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره} فإن الله بيَّن في جزاء الصيد إذا قتله الإنسان في الحرم أو كان مُحرماً أنه يحكم به ذوا عدل من المسلمين بما يقابله، فهما إنما يحكمان بذلك بالنيابة عن الأمة (عن المسلمين)، وعلى هذا فعليه أن يدعو عدلين من المسلمين فيشهدهما على ما لديه من المال الذي ليس له، فيقول: أنا لدي كذا وكذا من المال الذي أصله حرام ولا أملكه، لكني لا أستطيع التخلص منه، فأريد أن تقرضاني هذا المال نيابة عن المسلمين وأدفع لكما كل شهر منه كذا وكذا، فيقرضانه المال ثم بعد ذلك يفاوضانه على ما يدفع لهما شهرياً فيصرفانه في مصارفه ولا يأخذان منه شيئاً لأنفسهما لأنهما يتصرفان بالنيابة عن الأمة، وحينئذ يكون المال طاهراً حلالاً وربحه ملكٌ له هو كأصله، ويكون هو فقط قد انشغلت ذمته بذلك الدين الذي يدفعه، فإذا دفعه جميعاً في المدة المحدة أقساطاً فقد برأت ذمته منه وطهر ماله جميعاً، وإن مات وعليه شيء من الدين كان ذلك ككل ديونه فيحل دفعة واحدة.

وعلى هذا فإن عليه أن ينصح لوالديه أن يخرجا من ذلك المال، وإن كانا لا يستطيعان الخروج منه دفعة واحدة فليخرجا منه بهذا التقسيط، وليدعوا عدلين من المسلمين فيعملا بما سمعتم في الفتوى.

وإذا كان جل مالهما حلالاً ولكن لهما مصدراً آخر يرتزقان منه حراماً فإن العبرة بالجُلّ والأكثر لا بالأقل، وعلى هذا فمعاملة الإنسان لمن جل ماله من الحلال جائزة، ومعاملته لمن جل ماله من الحرام بالتبرعات حرام، لكن اختلف في المعاوضات وقد سبق ذكر ذلك، وبيان تشدد الإمام الغزالي فيه في إحياء علوم الدين، وأن الذي قاله هو مذهب الشافعية وقد تبعه عليه بعض المالكية لكن ليس ذلك مذهباً للمالكية.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.