تفسير: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}

السؤال: ما تفسير قول الله تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}؟

الإجابة

الإجابة: إن هذا من بيان أحوال يوم القيامة، فقد قال الله تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}، أي يأتي كل إنسان مبعوثاً مفرداً وحده، ليس له قريب ولا حميم ولا ولي ولا هو في وظيفة من الوظائف، فالناس جميعاً يبعثون حفاة عراة مشاة غرلاً، ليس مع أحد منهم إلا عمله كما أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ملاقو ربكم حفاة عراة غرلاً مشاة ليس مع أحد منكم إلا عمله {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}"، وقد قال الله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}، فكل نفس تأتي تجادل عن نفسها وحدها.

{وتوفى كل نفس ما عملت}، كل نفس تجد جزاء عملها خيراً كان أو شراً، {وهم لا يظلمون} فتوضع الموازين وهي القسط، فلا يمكن أن يقع فيها غبن ولا جور ولا حيف، كل إنسان يجد عمله محفوظاً فيثاب على حسنه ويعاقب على سيئه إلا أن يتجاوز الله عنه.

بعدها: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}، هذا نذارة وتحذير من الله سبحانه وتعالى لأهل القرى أن يصيبهم مثل ما أصاب من سبقهم، فكل قرية من قرى الدنيا لابد أن يظهر فيها الفساد ولابد أن تعاقب بعقوبة قبل يوم القيامة، كما قال الله تعالى: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً}، فجميع قرى الدنيا لابد أن تهلك قبل يوم القيامة أو أن تعذب عذاباً شديداً، وعذابها الشديد بالنقص في الأرزاق أو انتشار الأوبئة والأمراض، أو بحيف السلطان وجوره وعسفه كل ذلك من العذاب الذي توعد الله به، وهنا قال: {وضرب الله مثلا}، وهذا ضرب مثل لجميع القرى: {قرية كانت آمنة مطمئنة}، كانت آمنة من الأمراض والظلم والحروب، مطمئنة أي ليس فيها مشكلات وأهلها في راحة من أمرهم واتساع، {يأتيها رزقها رغدا من كل مكان}، أي يأتيها رزقها هنيئاً من جميع النواحي، فهذا يشمل الرزق الحضري والرزق البدوي، فالرزق الحضري كثمار الزراعة، والرزق البدوي كالألبان والدهون والأسمان ونحو ذلك، من كل مكان، {فكفرت بأنعم الله}، أي لم تؤمن بهذه النعمة لله ولم تشكرها لله، {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف}، فأذاقها الله أي أذاق تلك القرية لباس الجوع والخوف، {بما كانوا يصنعون} أي بسبب معصيتهم لله تعالى وعدم شكرهم لنعمته.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.