أسباب الخشوع في الصلاة

السؤال: نود منكم أن تبينوا لنا أسباب الخشوع.

الإجابة

الإجابة: أقول إن الصلاة مؤلفة من ثلاثة أقسام: مؤلفة من عمل القلب، وعمل اللسان، وعمل الجوارح.

- فعمل الجوارح مثل: القيام والركوع والسجود والجلوس.
- وعمل اللسان مثل: التكبير والتسميع والقراءة والسلام والدعاء.
- وعمل القلب ثلاثة أقسام.
* القسم الأول منه: النية، وهي قصد العبادة وإرادتها، أن يقصد الإنسان الصلاة وأن يريدها ويتوجه قلبه إليها.
* والقسم الثاني: الحضور أي أن يحضر هذه العبادة فيكون فاعلا لها عن حضور ووعي، ولا يكون يفعلها من غير شعور.
* القسم الثالث: الخشوع، وهو إدراك روح التعبد فيها، أنه لا يفعلها لمجرد التقليد، بل يفعلها امتثالاً لأمر الله وتقرباً إليه، ويتفهم معانيها، ويستشعر ما فيها من مناجاة الله جل جلاله، يستشعر أنه يناجي الملك الديان جل جلاله الآن، وبالتالي لابد أن يكون حاضراً لما يقوله، لأن الإنسان الذي يتكلم في الملأ أو يخاطب الناس لا يمكن أن يخاطبهم بشيء لا يعقله ولا يدركه، لأن ذلك يسمى هذياناً وجنوناً، فكيف بالذي يخاطب الملك الديان جل جلاله، لابد أن يستشعر ما يقوله وأن يحضر عنده ولكن ذلك يقع بحال هو حال الخوف، استشعار الإنسان أنه الآن يناجي الملك الديان، وأنه بحضرة الله جل جلاله، وأنه يستمع إليه دون ترجمان ليس بينه وبينه ترجمان، واستشعار ذلك يقتضي قشعريرة ويقتضي فيض الدمع من العين، ويقتضي انتفاضة للجسم، وله عوارض كثيرة تعرض للنفوس، تقع من الخشوع، لكن هذا الخشوع له أسباب هي التي يحصل بها، فمن أسباب الخشوع في الصلاة إحسان الإنسان لطهارته، فالإنسان الذي لا يعتني بطهارته ولا بنظافة ملابسه للصلاة ولا يتجهز لها تكون الصلاة كعمله العادي يصليها في ثياب نومه يصليها على أية هيئة ولا يعتني بها، أما إذا كانت الصلاة أمراً عظيماً عنده فسيتأهب لها ويتهيأ فيحسن طهارتها ويحسن التهيئة لها بملابسه وهيئته لأنه يعلم أنه قد نودي من قبل الملك الديان، وأنه ذاهب إليه جل جلاله في رحلة عظيمة جداً، ينبذ فيها الدنيا وراء ظهره عند تكبيره، ويسلم عند رجوعه:
وإن عماد الدين لله رحلة *** وعند انتهاء السير تستأنف النجوى
كذلك من أسباب الخشوع في الصلاة أن يستشعر الإنسان الفضل الذي فضل به حين أذن له في الصلاة، فكثير هم أولئك الذين حجبوا عن هذه الطاعة، منهم من حيل بينه وبين الصلاة بالكفر، ومنهم من حيل بينه وبين الصلاة بالفسوق والفجور، ومنهم من حيل بينه وبين الصلاة بالغفلة، ومنهم من حيل بينه وبين الصلاة بنقص العقل، ومنهم من حيل بينه ويبن الصلاة بالجهل، ومنهم من حيل بينه وبينها بالنوم وأنت قد أذن لك الملك الديان أن تطرق بابه، وفتح لك الباب حتى خررت ساجداً بين يديه، وهذا تشريف عظيم، ولذلك قال عبد الحق الإشبيلي رحمه الله: الحمد لله الذي أذن لعباده بطاعته، فخروا بين يديه متذللين ولوجهه معظمين، لم يغلق بينه وبينهم باباً، ولا أسدل دونهم حجاباً ولا خفض أودية ولا رفع شعاباً، إذا استحضر الإنسان أن جيرانه قد يحال بينهم وبين الصلاة في هذه الساعة بالنوم أو بالغفلة أو بغير ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد علمت أنه لا ينتظرها الليلة سواكم"، فلا شك أن إدراك ذلك يقتضي خشوعاً ويقتضي إدراكاً لهذه النعمة العظيمة حين ميزت بذلك، والذين يسجدون لله في هذه الحياة الدنيا هم الذين يسجدون له يوم القيامة، {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود}، ومن لم يكن من أهل الصلاة يجعل الله ظهره نحاساً فإذا أراد السجود لم يسجد، كما قال الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}، يحال بينهم وبين السجود نسأل الله السلامة والعافية.

كذلك من أسباب الخشوع في الصلاة استحضار ما يقرؤه الإنسان والوقوف عنده، فإذا افتتحت الصلاة بالفاتحة فوقفت عند كل آية تنتظر جواب الملك الديان، فسيحصل لك الخشوع، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره أنه قال: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: {الرحمن الرحيم} قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال العبد: {مالك يوم الدين} قال الله: مجدني عبدي، وفي رواية فوض إلي عبدي هؤلاء لي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين}، قال الله: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، قال الله: هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل"، فتكون الفاتحة كالحوار فيها كلام تقدمه أنت وجواب تتلقاه من ربك جل جلاله، وتستشعر فعلاً أنك بين يديه لأنك تنتظر جوابه، عندما قال أحدنا: {الحمد لله رب العالمين}، علم علم اليقين أن الله أجابه فقال: "حمدني عبدي" ولا يحصل هذا إلا للخاشعين المنتبهين لما يقولون، وهكذا في كل جواب من أجوبة الرب جل جلاله، كذلك من أسباب الخشوع في الصلاة أن يكون الإنسان قبل إقباله على الله سبحانه وتعالى في صلاة الفريضة يهيئ بردعة الصلاة، فيكون ذاكراً وأيضاً يستعمل السواك، وأيضاً إذا كانت الصلاة قبلها راتبة قبلية يأتي بها، ليحضر نفسه لها.

وكذلك من أسباب الخشوع إتقان بناء الصلاة فالصلاة بناء والإسلام كله بناء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس"، فالصلاة بناء، فالركعة الأولى لابد أن يركد فيها الإنسان ويطيل ولذلك فيها سورة بعد الفاتحة يطيلها الإنسان ويكون ركوعه قريباً من قيامه ورفعه قريباً من ركوعه وسجوده قريباً من رفعه وهكذا ليتقنها، الركعة الثانية تكون أخف قليلاً من الركعة الأولى، الركعة الثالثة أخف والرابعة أخف لأن الإنسان في الصلاة يبني كأنه في سياقة، فالسرعة الأولى أثقل، والتي بعدها أخف منها قليلا والتي بعدها (تروازييم) أخف ثم (كاترييم) تنطلق السيارة، فكذلك هنا سرعة الصلاة لابد فيها من هذا التأني، وهو مما يؤدي إلى الخشوع فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يركد في الأوليين ويخف في الأخريين، يركد أي يطيل ويهدأ في الركعتين الأوليين ويخف في الأخريين، لأن الركعتين الأوليين فيهما مجاهدة على الحضور ومجاهدة على الإقبال على الله واستشعار العبادة الخاصة، تذوق طعم العبادة، وبعد ذلك عندما تدخل في الصلاة سهل عليك الاستمرار فالمجاهدة تجدها في أول الصلاة، أما في آخرها فهي استصحاب لحال موجود ولذلك تسهل فيقصر آخر الصلاة عن أولها.

هذه إذا بعض أسباب الخشوع، نسأل الله أن يرزقنا حلاوة الإيمان، وأن يرزقنا الخشوع في الصلاة وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.