حكم الاقتراض من المال الحرام

السؤال: هل تحريم الاقتراض من المال الحرام متفق عليه لدى المذاهب الأربعة، أم هناك اختلاف فيه؟ وشكراً جزيلاً لكم.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن كان مراد السائل بالاقتراض من المال الحرام أي الاقتراض مع فائدة يدفعها المقترض للمقرض فقد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم على أن اشتراط منفعة في عقد القرض للمقرض محرم، وأنه متى وقع ذلك فإنه يجعل العقد ربوياً، قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك من الربا" (الإجماع ص 95)، وقال ابن عبد البر رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف أو حبة" (التمهيد 4/ 68)، وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم، ودليل التحريم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}¡ إلى أن قال سبحانه: {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 278-279]، فأمر الله الدائن أن يستوفي رأس ماله فقط دون زيادة، ومتى زاد عنه فهذه الزيادة من الظلم، وهي ربا.

أما إن كان مراد السائل بالاقتراض من المال الحرام أي أخذ قرض حسن (بدون زيادة مشروطة) من مالٍ كُسِبَ بطريق الحرام فينظر:
فإن كان المقرض قد تملك هذا المال بدون عقد كالمال المغصوب والمسروق فهذا يحرم التعامل معه، لا باقتراضٍ ولا بغيره، لأن صاحبه لم يتملك هذا المال أصلاً، ولأن هذا المال محرم خالص التحريم.
وأما إن كان المقرض قد تملك هذا المال بعقدٍ فاسد كالمال المستفاد بالربا والقمار ونحو ذلك فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والذي يقتضيه النظر الشرعي هو جواز التعامل مع من ماله كذلك لأن المال المستفاد بعقد فاسد إنما يحرم على الكاسب فقط ولا تتعدى الحرمة إلى من يتعامل معه بعد ذلك، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع اليهود بيعاً وشراءً وتأجيراً واستئجاراً ورهناً وارتهاناً وغير ذلك، مع أنهم كانوا يأكلون الربا والسحت بنص القرآن الكريم، ولأن هذا المال اختلط فيه الحلال بالحرام فيحمل تصرف من يتعامل معه على الصحة، وعلى هذا فيجوز الاقتراض منه، والله أعلم.

المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.