حديث من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشر عقوبة

فإن الورقة التي داخل هذه الرسالة هي عقوبة تارك الصلاة، فهل هذا الحديث صحيح، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد أرفق الورقة ومكتوب فيها: أما بعد: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة: ستة منها في الدنيا وثلاثة عند الموت وثلاثة عند القبر وثلاثة عن خروجه من القبر)!، ثم ذكر هذه الأمور التي لا نريد أن نطيل فيها.

الإجابة

هذا الحديث ليس بصحيح، هذا الحديث قد نبه أهل العلم منهم الحافظ الذهبي في الميزان وغيرهما على أنه موضوع ولا صحة له، بل هو موضوع من الأحاديث المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غلط الذهبي رحمه الله تعالى في ذكره في الكبائر، والصواب أنه لا أصل له، بل هو حديث موضوع مكذوب ليس له أصل، ومعلوم أن الصلاة أمرها عظيم وهي عمود الإسلام، والله قال فيها سبحانه: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) سورة البقرة، وقال سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) سورة البقرة، وقال فيها سبحانه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (4-5) سورة الماعون، وقال عز وجل في شأنها وتعظيمها: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) سورة مريم، يعني خساراً ودمارا، فالصلاة أمرها عظيم، وهي عمود الإسلام، فمن ضيعها ضيع دينه، ومن حفظها حفظ دينه، فالواجب على أهل الإسلام من الذكور والإناث أن يحافظوا عليها، وأن يستقيموا عليها، وأن يؤدوها في أوقاتها بالطمأنينة والطهارة والخشوع وغير ذلك من شؤونها، هذا هو الواجب على الذكور والإناث جميعاً من المسلمين، تعظيم هذه الصلاة والحفاظ عليها، وأداؤها في أوقاتها، والعناية بطهارتها وسائر ما شرع الله فيها، لأنها عمود الإسلام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، والرجل يزيد في ذلك أنه يؤديها في الجماعة، يلزمه أن يؤديها في الجماعة في مساجد الله، وليس له أن يؤديها في البيت كالمرأة، لا، بل هذا من خصال أهل النفاق، ومن التشبه بهم، حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لقد رأيت وما يتخلف عنها (يعني الصلاة في الجماعة) إلا منافق معلوم النفاق"، والله قال سبحانه في شأن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) سورة النساء، فالآيات تغني عما وضعه الوضَّاعون وكذبه الكذابون، وهكذا ما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة كافي شافي، قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة). رواه مسلم في الصحيح. وقال أيضاًَ عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد في المسند بإسناد جيد لما ذكر الصلاة يوماً بين أصحابه، قال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، نسأل الله العافية. هؤلاء من كبار الكفرة ومن صناديدهم، فيجب الحذر من إضاعة الصلاة والتشبه بأعداء الله بالتخلف عنها، قال بعض أهل العلم: إنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إما: أن يضيعها من أجل الرياسة والملك فيكون شبيهاً بفرعون فيحشر معه يوم القيامة، نعوذ بالله، وإما: أن يضيعها بسبب الوزارة فيكون شبيهاً بهامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة، وإما: أن يضيعها بسبب المال والشهوات فيكون شبيهاً بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض لما تكبر وطغى وامتنع عن طاعة موسى عليه الصلاة والسلام في زمانه، وإما: أن يضيعها بسبب التجارات والمعاملات فيكون شبيهاً بأُبي بن خلف تاجر أهل مكة فيحشر معه يوم القيامة. والحاصل أن الحفاظ على الصلاة من أهم المهمات، ومن أوجب الواجبات، والتخلف عنها وإضاعتها من خصال أهل النفاق ومن أعظم المنكرات ومن أسباب دخول النار، بل تركها بالكلية من أنواع الكفر بالله، من الكفر الأكبر، في أصح قولي العلماء، فيجب الحذر من ذلك، ويجب على الرجال والنساء جميعاً المحافظة على الصلوات وأداؤها كما شرع الله، كما تجب العناية بالطمأنينة فيها وعدم العجلة وعدم النقر، وأن تؤدى بالوقت، وأن يعتنى بالطهارة وتكميلها، وأن يعتنى بالخشوع كما قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (1-2) سورة المؤمنون، حتى قال سبحانه بعد ذلك: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (9-11) سورة المؤمنون. فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يوفقهم للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة والعناية بها، والحذر من التهاون فيها وتركها.