هل يُعد صدام شهيدًا لو تم إعدامه؟

السؤال: سؤالي هو في حال حكم على صدام بالإعدام هل يعتبر شهيدًا بحيث أنه مات على أيادي العدو، أم ماذا؟ خاصة بعدما نشر عنه ماذا كان يفعل بشعبه.. وأنه طاغية وأنه لغاية الان لم يقاوم بل أنه مستسلم؟

الإجابة

الإجابة: أما هذا فعلمه عند الله تعالى ، وقد أنزل تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم لما دعا على أعداءه، : {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون }

قال ابن كثير رحمه الله :
قال تعالى {ليس لك من الأمر شيء} أي بل الأمر كله إلي كما قال تعالى { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} وقال {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} وقال {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} وقال محمد بن إسحق في قوله {ليس لك من الأمر شيء} أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم ، ثم ذكر بقية الأقسام فقال {أو يتوب عليهم} أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة {أو يعذبهم} أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ولهذا قال {فإنهم ظالمون} أي يستحقون ذلك .

وقال البخاري "حدثنا حبان بن موسى أنبأنا عبد الله أنبأنا معمر عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر "اللهم العن فلانا وفلانا" بعد ما يقول "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد " فأنزل الله تعالى {ليس لك من الأمر شيء } الآية " أ.ه

وأما إن كان صدام لايزال يعتقد علمانية حزب البعث ، فقد بينا حكم اللادينيين العلمانيين ، وأن كل من اعتقد أنه يجوز للعباد أن يضعوا لهم شريعة تخالف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو مرتد كافر ، والرجل قد تقلبت به الأحوال ، ونزل به ما هو اشد من الجبال ، حتى ضرب الله به للناس الأمثال ، ولانعلم ما آله إليه آمره ، وما استقر عليه دوره ، فنكل خاتمته إلى ربه ، إن شاء يغفره له إن مات على التوحيد أو يرديه في جهنم جوره .

ولانعلم أنه قد استسلم أم لا ، فالعلم بكيفية إلقاء القبض عليه ، خبر ليس له طريق إلا أعداؤه وهم أيضا أشد الناس عداوة لنا ، بل جميع ما فعله صدام إنما هو جزء يسير تابع لعداوة الصليبية الغربية المتصهينة لأمتنا أصلا ، فكيف نصدقهم فيما يخبرون به ، ولايعتمد على مثل هذا في توثيق الاخبار عاقل !!

بل الأقرب أنه قد خدر قبل الإمساك به ، لأنه كذلك لايُحاصر من يرغب أعداؤه في القبض عليه حيا إلا ومع محاصرين غاز ، بل لاتكاد الفرق الخاصة المعدة لمثل هذه الاغراض أن تخلو من هذا التدبير المعروف.

ومعلوم أن مافعله بشعبه ، كان قبل أن يغزو الكويت ، ويهدد أطماع الغرب ، ومع ذلك لم يكونوا يعدونه مجرما ، بل كان جميع الحكام العرب شركاءه في جرائمه ، والواجب أن يحاكموا جميعا معه بما أنزل الله تعالى ، لا أن يحاكم وحده ، ولايخفى أنهم لايزالون يستر بعضهم معاور بعض ، وهم المستبدون الطغاة اللذين امتلأت سجونهم بالمعذبين والمظلومين ، ويعلم كل منهم أنهم كلهم يفعلون مثل ما فعل صدام : إن احتاجوا إلى ذلك ، أو هم في حالهم كذلك ، وأن سادتهم الغربيين استعملوهم فيما هم فيه من الظلم ، وأن سادتهم إن سخطوا عليهم فسيفعلون بهم مثل ما فعلوا في صدام ، ولكنهم رضوا لأنفسهم بذل العبودية ، وكذلك من أبى أن يكون عبدا لله تعالى ، فيعزه ويرفعه ، جعله الله تعالى عبدا ذليلا مهينا لغيره .

وتعالوا لنتذكر بعض التاريخ : فإن أمريكا جاءت بالشاه للتخلص من مصدق الذي كان يريد أن يؤمم النفط الإيراني ، فخشي أصحاب شركات النفط الذين يحكمون البيت الأبيض على شركاتهم ، فباعوا الشعب الإيراني بتسليط الشاه الطاغية عليه ، ثم لما قامت الثورة الخمينية التي أضحت اليوم تمارس أيضاكل أنواع الجور والظلم وهددت مصالحهم ، أمدوا صدام حسين بكل أنواع السلاح ودعموه حتى أشعلوا نار حرب شعواء أهلكت الملايين ، وفي تلك الفترة قتل صدام الأكراد بالسلاح الكيماوي ، وهم أي الغرب الصليبي مع ذلك له مؤيدون ، وعن جرائمه صامتون ، لأنهم كانوا إذ ذاك يريدونه أن يحقق أطماعهم ، حتى إذا تحقق لهم ما يريدون ، أغروه باحتلال الكويت ، ليحتلوا الخليج العربي ثم العراق ، كما هو حالنا اليوم .

والخلاصة أن هذه الجرائم التي يلصقونها بصدام وحده ، كل الحكام قد كانوا شركاءه فيها ، وكان الذي تولى كبر ذلك ، هي أمريكا نفسها، وهذا لايخفى على العقلاء الذين يقرءون التاريخ ويعتبرون بما فيه ، إنما يخفى على الدهماء اللذين يسيرون بلا هدى وراء سحر الإعلام المزيف الذي يظهر للناس جزءا صغيرا من الصورة ، لتنقلب الحقائق رأسا على عقب .

ومن الأمثلة على ذلك ان عدد الاكراد الذين قتلوا بسبب صراعات الحزبين الكرديين المتصهينين الملحدين الطالباني والبرزاني على الزعامات ، هم أضعاف أضعاف من قتل من الأكراد على يد نظام صدام ، ولكن أكثر الناس لايعملون ذلك ، ولن يعلموه حتى يحتاج الماكرون من صناع السياسة الغربية إلى سحر إعلامي جديد فيسلطون حينئذ إعلامهم الخداع على جرائم هذا الزعيم أو ذاك ممن تمرد عليهم ، أو اعترض سياستهم !!

والخلاصة : أن علينا أن نتيقن أمرين ونكل أمرا ثالثا إلى الله تعالى وحده :

أما الامران اللذان يجب علينا تقينهما :
فأحدهما : أن كل ما جرى ويجري من الأزمات السياسية الاستراتيجية في أمتنا منذ نحو قرن إنما هو في عامته بسبب أطماع وسياسات الصليبية المتصهينة ، في فترة سابقة بسبب صراعها مع المعسكر الشرقي على الهيمنة على المنطقة ، والآن بسبب أطماعها الاستعمارية ، وكل جرائم حكامنا المستبدين هي آثار تلك الأطماع .

والثاني : أنه لن يصلح حالنا إلا بالرجوع إلى ديننا أولا ، ثم بأن نوجه المعركة توجيها صحيحا نحو عدونا الحقيقي والتاريخي والاستراتيجي ونطرده من بلادنا ، ونطرد أولياءه اليهود المغتصبين لأرض الأسراء ، ولانسمح لعدونا أن يخدعنا بإعلامه المزيف فيخلط الأوراق ، ويقلب حقيقة الصراع ، فيلهينا عن هذه القضية الإستراتيجية .

وأما ما نكله إلى الله تعالى فهو حال من حيل بيننا وبين أن نعرف ما يختم له به ، فأمره عنا مستور ، في حجر محجور ، بيد عدو حاقد مثبور ، حتى ينجلي حاله بخبر من قبله بما يظهر به حكمه شرعا من كفر أو إسلام ، ولانستصحب ما مضى مما ظاهره الكفر لطروء الشبهات ، واختلاف أخبار الثقات ، ولانعدل بالسلامة في هذا الباب شيئا ، ولايبعد أن يسلم الكافر ، ويتوب الظالم الفاجر فيقتله أعداؤه ويعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا بذهاب الملك ، وزوال النعمة ، وقتل الأولاد ، والذل والهوان ، ثم يفضي إلى رحمة من الله تعالى ، وما لنا وأن ندخل بين الله وعباده ، وما نحن بشامتين معاذ الله ، سبحانه ذو رحمة واسعة ، وهو أرحم الراحمين ، غير أن رحمته مرهونة بالموت على الإسلام ، ذلك أنه لايدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، فاللهم اغفر لعبد تاب وإليك أناب ، حتى لو ملأت ذنوبه مابين السماء والتراب ، إنك أنت الغفور التواب ، العزيز الوهاب. آمين.

والله أعلم .