عقوبة المسبل

إن مسبل الإزار لا يشترط أن تكون نيته الكبر، فإن من علق الإسبال على الكبر فقد غلط في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، وقد ثبت أن العقوبات لمسبل الإزار دون قصد الخيلاء كعقوبة من يسبله بقصد الخيلاء؛ لأن عقوبة

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد صحت الأحاديث التي ذكرت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وكلها دالة على تحريم الإسبال، وأنه إذا كان عن خيلاء لم ينظر الله إلى صاحبه يوم القيامة، وجاءت أحاديث أخرى ليس فيها هذا القيد كالحديث الذي ذكرت، وهو حديث أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم: المسبل، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وهكذا ما رواه البخاري في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار)، ولم يقيد الخيلاء، وفي الحديث الآخر عن ابن عمر: (من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، ولا منافاة بين الأحاديث، وهكذا قصة أبي بكر حيث قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنك لست ممن يفعله خيلاء)، ووجه الجمع بين هذا أن من جرَّ ثوبه خيلاء فيه الوعيد الصريح الشديد، ومن أسبل ثيابه أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه الوعيد أيضاً، والسرُّ في ذلك والله أعلم، أن الغالب على المسبلين هو قصد الخيلاء والتكبر والترفع على الناس، وهذه النية محلها القلب لا يعلمها إلا الله -سبحانه وتعالى-، فقد يصرح المسبل فيما يدل على قصده الخيلاء ولتكبر، وإذا لم يصرح فالعلم في ذلك إلى الله -سبحانه وتعالى-، فهو تظاهر بمظهر أصحاب الخيلاء، فالواجب منعه من ذلك، وأمر قلبه إلى الله -سبحانه وتعالى-، فعلى المسلمين أن يمنعوا ما منعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإسبال، وإذا قال: إنه لم يقصد الخيلاء، فأمره إلى الله، لكنه أظهر مظهر أصحب الخيلاء، وخالف الرسول فيما نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، فوجب منعه، ويعمه الخبر لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أسفل الكعبين من الإزار فهو في النار) لعدم القيد، وكونه مقيداً في بعض الروايات لا يدل على قيد الروايات الأخرى؛ لأن تقييد بعض أفراد العام لا يقيد جميع أفراده كلها، بل يكون صاحب القيد أشد في العذاب وأشد في النكال إذا كان عن خيلاء، وإذا جره على غير خيلاء فالمنع عام، والعقوبة عامة والوعيد عام، لكن لا يلزم أن يكونوا في العقوبة سواء، فمن كان قصده الخيلاء فإن عقوبته تكون أشد، ومن لم يقصد ذلك وإنما تساهل وجر ثوبه ولم يبالي فإنه تعمه الأحاديث، ولا يلزم أن تكون عقوبته مثل عقوبة ذاك، وقد تكون عقوبته أخف؛ لأنه لم يقصد الخيلاء، لكن المنع عامٌ للجميع والتحريم عامٌ للجميع. أما الصديق -رضي الله عنه- فإنه لا يتعمد جر ثوبه وإنما يتفلت عليه الثوب، ويسترخي بغير قصد، فلم يدخل في هذا الوعيد، بخلاف الذي يتعمد إسبال ثيابه، إسبال سراويله، إسبال بشته، إسبال إزاره، فإن هذا يعمه الوعيد، لتعمده الباطل، أما من ينفلت عليه ثوبه ويسترخي عليه ثوبه في بعض الأحيان من غير قصد بل لخلل في ما حصل من رفض الثوب أو لأسباب أخرى حصل بها الخلل حتى انسحب ثوبه، هذا لا يعمهم الخبر، لكونه لم يقصد ولم يتعمد، وإنما حصل له ذلك من غير قصد، كاسترخاء الثوب الذي قد ...... عليه وربط، ولكن حصل فيه خلل فاسترخى، أو لشق فيه حصل بسببه الارتخاء، أو لغير هذا من الأسباب، وبهذا يتضح أن الإسبال ممنوع، ومحرم لعموم الأحاديث، وأما العقوبة فهي متفاوتة، ولا يلزم أن تكون متساوية، فإنه ليس من قصد الخيلاء كمن لم يقصد، هذا أمر معلوم، ولكن الجميع ممنوعون وليس لهم سحب ثيابهم، ولا بشوتهم، ولا سراويلهم، بل يجب أن يرفعوا ذلك، وأن لا تكون أنزل من الكعب، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار) هذا أصل أصيل يجب التمسك به، ولا يجب أن يقال إن مفهوم حديث ابن عمر من رفع ثوبه خيلاء أنه يجيز لنا ما سوى ذلك، هذا لا يجوز، بل يجب سد الباب وحماية المسلمين من هذا الفساد، ومن هذا الإسراف وأخذ العموم من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لعل المسلم يرتدع عن هذا الجرم، ويبتعد عن هذا السبيل الخطير الذي يورده النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.